انتبهوا... إنّ أعمارنا تمضي
للوقت خصائص يتميز بها يجب علينا أن ندركها حق إدراكها، وأن نتعامل معه على ضوئها، ومن هذه الخصائص:
انتبهوا... إنّ أعمارنا تمضي - أولاً: سرعة انقـضائهمهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة فهو قصير ما دام الموت هو نهاية كل حي. وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود التي عاشها الإنسان حتى لكأنَّها لحظات مرّت كالبرق الخاطف.
قال تعالـى: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار" [يونس/45].
- ثانياً: ما مضى منه لا يعود ولا يعوَّض
كل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي وكل لحظة تمرّ ليس في الإمكان استعادَتها، ومِن ثمَّ لا يمكن تعويضها؛ وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ: "ما من يوم ينشقُّ فجرُه إلا وينادِي: يا ابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوّد منّي؛ فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
- ثالثاً: أنفس ما يملك الإنسان
لأنّ ما مضى منه لا يرجع ولا يعوَّض بشيء، وترجع قيمة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج؛ فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً أو مجتمعاً.
والوقت ليس من ذهب فقط، كما يقول المثل، بل هو أغلى في حقيقة الأمر من الذهب وغير ذلك من المعادن والجواهر النفيسة، إنه هو الحياة؛ فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة.
وفي هذا قـال الحسن البصري أيضاً: "ابن آدم! إنّما أنت مجموعة أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حينٌ يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه، ولكنْ بعد فوات الأوان".
وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته، حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار
حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن وأُخِّر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات. قال تعالى: "وأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ" [المنافقون/10]. ولكن الله ردّ عليهم بقوله: "ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها إن الله خبير بما تعملون" [المنافقون:/11].
الموقف الثاني: في الآخرة
حيث تُوفَّى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنّة وأهل النار النار؛ قال تعالى: "ووُفِّيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون" [الزمر/70]
وقوله تعالى: "اليوم تُجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" [غافر/17].
هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الدنيا؛ ولكن هيهات لما يطلبون؛ فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، والله أعطى كل مكلَّف من العمر ما يتسع لعمل ما كُلِّفَ به، ويُذكِّره إذا غفل عنه وبخاصة من عاش حتى بلغ الستين من عمره؛ ففي هذا القدر من السنين ما يكفي لأن ينتبه الغافل ويتوب العاصي.