أكبُر وأنا عِند أُمي صغيره
أشيب وأنا لديها طِفله
هي الوحيدةُ التي نزفت مِن أجلي دمها ودموعِها
نسيَّني الناس إلا أُمي
عَقني الكُل إلا أُمي
الله يا أُمي
كم فاضت عيناكِ بالدموع حينما سافرت
وكم عِفتي المنام يوم غبت
وكم ودعتي الرُقاد يوم مرِضت
حمِلتِني بين الضلوعِ أيام آلامك
وضعتِني مع آهاتك
ضممتِني بِقبلاتِك وبسماتِك
الله يا أُمي
لا تنامين ابداً
حتى يزور النوم جفني
ولا ترتاحين ابداً
حتى يحِلُ السرور علي
إذا أبتسمت ضحِكتي
ولا تدرين ما السبب
واذا تكدرتُ بكيتي
ولا تعلمين ما الخبر
تعذُرينني قبل أن أُخطأ
وتعفين عني قبل أن أتوب
وتسامحينني قبل ان أعتذِر
من مدحني صدَّقتِهِ
ولو جعلني إمام الانامِ وبدر التمام
ومن ذمني كذَّبتِهِ
ولو شهد له العذول
ابداً أنتي الوحيده المشغولةُ بأمري
وأنتي الفريدةُ المهمومةُ بي
انا قضيتك الكبرى
وقصتُكِ الجميله
وأمنيتكِ العذبة
تُحسنين إلي وتعتذرين مِن التقصير
أُمي
ليتني أُغسِلُ بِدموعِ الوفاء قدميكِ
وأحمِلُ في مهرجان الحياةُ نِعليكِ
كيف أردُّ لكِ الجميل
بعدما جعلتي بطنكِ لي وِعاء
وصدرُكِ لي سِقاء
وحِضنُكِ لي غِطاء
كيف أُقابِل إحسانِك
وقد شاب رأسكِ في سبيلِ إسعادي
وَ رَّق عظمُكِ من أجلِ راحتي
وأحدودَب ظهركِ لأنعم بِحياتي
كيف أُكافِئ دموعكِ التي سالت سخيةَ على خديكِ
مرة حُزناً عليّ
وَمرةً فرحاً بي
أُمي
أنا كُلي خَجلاً وَحياء
إذا نظرتُ إليكي وأنتي في سِلم الشيخوخة وَأنا في عُنفوان الشباب
تدُّبينَ على الارضِ دبيبا .. وأنا أثِبُ وثباً
أنتي الوحيده التي وَفت معي يوم خذلني الاصدِقاء
وقفتي معي بقلبكِ الحنون
بدموعكِ الساخِنة
بآهاتكِ الحارة
تضُمين .. تُقبّلين .. تُضمدين
تُواسين .. تُسلين.. وتَدعين
أنظرُ إليكي وكُلي رهبة
وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانكِ
وهدَّت أركانكِ
فأتذكر كم من ضمةٍ .. وقبلةٍ .. ودمعتاً
جُدتِ بِها لي طائعة .. راضيه ..
لا تطلُبينَ أجراً ولا شُكرا
وإنما سخوتِ بها حباً وكرماً
أنظر إليكي الآن وأنتي تُودعين الحياة وأنا أستقبِلُها
وتنهينَ العُمرِ .. وأنا أبتدِئُه
فأقف عاجِزةً عن إعاده شبابِك
الذي سكبتِهِ في شبابي
وإرجاع قوتك التي صَبتتِها في قوتي
أعضائي صُنِعت مِن لبنِك
ولَحمي نُسِجَ مِن لحمِك
وخدّي غُسِلَ بِدموعِك
ونجاحي تم بِدعائِك
أرى جميلُكِ يُطوِقُني
فأجلِسُ أمامكِ خادمةً صغيره
لا أذكُر تفوقي ولا إبداعي
لأنها من بعضِ عطاياكِ
أشعُرُ بِمكانتي بين الناس
وبقيمتي لدى الغير
ولكن إذا جثوتُ عن اقدامكِ
فأنا طِفلتُكِ الصغيره
وأبنتُكِ المدللـه
فأصبِحُ صِفراً يملئُني الخجل
ويعتريني الوجل
فأُلغي الألقاب
وأحذِفُ الشُهره
وأنسى المدائِح
لأنكِ أُم ...
وأنا إبنه
ولأنكِ مدرسه
وأنا تلميذه
ولأنكِ شجرة وأنا ثمره
ولأنكِ كُلُّ شيءٍ في حياتي
فليَّتَ الموتُ يتخطاكِ إليَّ
وليَّت البأس إذا قصدكِ يَقعُ عليَّ
فأذَني لي بتقبيلِ قدمَيكِ