السلام عليكم
«نباتات لبنان المصورة».. كتاب استغرق إعداده 20 عاما
المؤلفان طعمة جمعا فيه نباتات مختلفة.. منها المتفرد والمنقرض والجديد
| مجموعة متنوعة من النباتات والزهور |
|
بيروت: مازن مجوز
هو أول من حمل شهادة دكتوراه دولة في العلوم الطبيعية من فرنسا، يعود عشقه للنباتات وحب اكتشاف الطبيعة إلى أواخر الخمسينات، الذي كان ولا يزال القاسم المشترك مع زوجته هنرييت طعمة، الدكتورة في علم دماغ الحشرات.
إنه البروفسور جورج طعمة، صاحب المساهمة اللبنانية الأحدث في أرشفة تاريخ النباتات اللبنانية، وتنوعها، وخصائصها عبر كتابه «نباتات لبنان المصورة»، ذي المعلومات المختصرة، الذي استغرق إعداده 20 عاما.
يقول طعمة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان همي وزوجتي أن يدرك اللبناني ماذا يوجد في بلده، كي يحبه أكثر، هذا الإرث علينا المحافظة عليه، عبر تعزيز التربية البيئية لدى أجيالنا الصاعدة».
نباتات جمعاها طعمة على مدى 40 عاما، انطلاقا من مناطق الساحل اللبناني، وصولا إلى أعالي الجبال (على ارتفاع 2500م)، مرورا بالمناطق الحدودية، التي استهدفتها أيضا خريطة طعمة النباتية، على الرغم من أنها غير مأهولة، شأنها شأن الجبال، حيث مشقة الوصول إليها تعود لافتقارها للطرقات، أو إلى طرقاتها الوعرة، أو إلى القنابل العنقودية والألغام التي خلفها العدو الإسرائيلي.
رحلة البحث التي تضم أيضا الأحراج، وضفاف الأنهار، مقسمة بمعدل يومين في الأسبوع، وبعشر ساعات لكل يوم، وعند وصول الباحثين طعمة إلى المكان المحدد، يباشران التفتيش عن نباتات يحتمل وجودها فيه، استنادا للظروف والمناخ، وبعضها لا يحتمل التأخير، وإلا فالانتظار سنة كاملة لرؤيتها مجددا هو سيد الموقف.
للزوجين طعمة طريقتهما الخاصة في نقل ما جمعاه إلى المنزل؛ حيث تستغرق عملية تصنيفها، ودرسها، وتوثيقها، وإثبات هويتها بالصورة 3 أيام متتالية، عملية لم يميزها الباحثون السابقون أو يصلوا إليها.
وتتحدث هنرييت عن بعض جوانب الكتاب، ومنها: «أن لكل نبتة قصة تروي أين وجدناها (في لبنان أو في الدول المجاورة)، وموئلها، وكيف تعرفنا عليها، ولماذا تحمل هذا الاسم، ومن أعطاها إياه، وأفضل صورة التقطت لها، وأبرز مميزاتها، وجهة استعمالها، ببساطة النباتات هي شغلنا الشاغل».
نباتات منها المتفردة، والأخرى الغذائية، والثالثة الطبية، ومعظمها ذات فائدة اقتصادية، تم حجز مكان لكل عينة منها في «معشب جورج وهنرييت طعمة»، في المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي وافقت الدولة اللبنانية على قبوله كهبة، واضعين اكتشافاتهم في تصرف طلاب الجامعات وأساتذتها والمهتمين.
الكتاب، الذي يضم أكثر من 3 آلاف صورة ملونة، يقع في 618 صفحة، وفيه وصف لـ2597 نبتة في لبنان، في مراحل الإنبات والإزهار والإثمار بحسب طعمة، مشيرا إلى أن البحث لا يزال جاريا لإيجاد 118 نوعا انقرض، أو اختفى حاليا، وأنه توصل في الفترة الأخيرة إلى اكتشاف 59 نبتة جديدة منتشرة في موائل لبنانية محددة، إضافة إلى 94 نبتة ينفرد فيها لبنان.
متعة يزرعها هذا المجلد في قلوب قرائه؛ حيث يلاحظون أنه يوثق الإرث الطبيعي والثقافة البيئية في لبنان، ويشكل مرجعا للتنوع البيئي والطبيعي والمناخي في بلد الأرز، وخطوة مهمة للترويج للبنان، وللثروة الحرجية والبيئية المجهولة والمهددة بالانقراض.
ويضيف طعمة أنه على الرغم من صغر مساحة لبنان، الذي يوازي مساحة مقاطعة ويلز البريطانية، فإنه يتمتع بأنواع نباتية برية غنية ومتنوعة؛ حيث بلغ عددها ضعفي نباتات بريطانيا.
اللافت في بعض نباتات لبنان موثقة الموئل ظهورها في موائل جديدة، وبيئات مختلفة موقعا ومناخا، وهذا مؤشر إلى تغيير مؤكد في طبيعة لبنان ومناخه، كتلك الساحلية التي راحت تنمو على ضفاف بحيرة القرعون، والصحراوية التي بدأت تظهر في بعض المناطق غير المألوفة مع طبيعتها المعروفة.
وعن سبب اختيار طعمة زهرة سوسن الجبل، لتتصدر غلاف المجلد، يجيب: «ذات يوم حمل صديق لي من الأردن وثيقة إسرائيلية تدعي أن الزهرة اكتشفت في جبل الشيخ (منطقة تحتلها إسرائيل)، وهذا غير صحيح؛ لأن موئلها هو ميس الجبل وكونين وحولا، وهي معروفة تاريخيا وموثقة عام 1875، لكنها اختفت بعدها».
ويتابع عاشق النباتات: بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، رحت أبحث عن السوسنة في أبريل (نيسان) 2001، على جنبات الطريق المزروعة بالألغام، حتى صادفتني صخرة كبيرة وعليها سوسنة ميس الجبل، وأخذت عينة منها إلى المعشب، واخترت صورتها غلافا لمجلدنا».
أسماء غريبة تستوقفك وأنت تقرأ في بعض صفحات «نباتات لبنان المصورة»، نباتات تحيط بنا، تقع أنظارنا عليها هنا وهناك، ولا نعلم أنها تحمل أسماء كهذه: «سقمونيا، خويطمة، لبلاب أزرق، لادن أبيض، سرمق زحلة، نجمة قبليفيا، حامول، سيلان الرمل، صابونية طبية، سجينة بحرية، منورتية سورية، أذن الغار دبقة، زهرة رمال الأقرع، سلطان الجبل».
وكما هو معروف، فإن لبنان استحوذ على اهتمام كبير لدى علماء النبات، ومنهم الباحث الألماني راوولف ليونارد، الذي جمع أكبر مجموعة معشبة بين عامي 1573 و1575، والأب اليسوعي بول موتيرد، من خلال مؤلفه «نباتات لبنان وسوريا»، الذي يتميز عنه مجلد طعمة بالصور وببعض الاكتشافات النباتية، وأستاذ الطب في الجامعة الأميركية في بيروت إدوارد بوست، الذي جمع وصنف نباتات لبنان في أحد مؤلفاته.
يشار إلى أن الثنائي طعمة لم تثنهما الحرب الأهلية عن متابعة عملهما، بل كان ذلك دافعا لتوسيع نطاق بحثهما، ليشمل الأصداف واللبونات والطيور والحشرات، كذلك فإن طعمة هو صاحب فكرة إقامة محميات في لبنان، ومنها محمية جزر النخيل ومحمية الشوف.
انشاء الله تعجبكم