مقدمة
I. علم النفس الإكلينيكي :
1. البدايات الأولى لعلم النفس الإكلينيكي.
2. تطور علم النفس الإكلينيكي.
II. الاختبارات النفسية:
1. مفهوم الاختبار وأهم خصائصه.
2. أنواع الاختبارات.
III. الاختبار في المجال الإكلينيكي:
1. أهمية الاختبار في المجال الإكلينيكي.
2. تصميم الاختبار في المجال الإكلينيكي.
خاتمة
المصادر و المراجع:
1. علم النفس الإكلينيكي، عطوف محمود ياسين، دار العلم، ط 1981
2. علم النفس الإكلينيكي لجوليان روتر، ترجمة الدكتور عطية محمود هنا مع الدكتور محمد عثمان نجاتي.
3. علم النفس الإكلينيكي، الدكتور حسن مصطفى عبد المعطى،ط 1998
4. السكولوجيا المعاصرة، ميخائيل أسعد، ط 1996
مقدمة:
يظل علم النفس الإكلينيكي من أهم فروع علم النفس من حيث القيمة المضافة التي يقدمها في خدمة الإنسان بصفة عامة، وأيضا في كونه المجال التطبيقي الأكثر مباشرة مع الأشخاص في جميع المواقف، ولعل هذا راجع إلى كون هذا الفرع لا يقتصر سواءا في مستوى بنائه النظري، أو في المجال التطبيقي العملي على البحوث التي يقوم بها المتخصصون في هذا الفرع بل ينهل من كل ما تتوصل إليه الفروع الأخرى في علم النفس، بل يتداخل معها بشكل كبير، حيث قد لا نستطيع في بعض اللحظات تميزه عن الفروع الأخرى، ومن أهم هذه الفروع نجد علم النفس المرضي، علم النفس الفزيولوجي، والتحليل النفسي...، وهذه الإفادة من الفروع الأخرى هي التي تعطيه قوة الحضور في جميع المستويات. ورغم هذا التداخل أو هذه العلاقات القائمة الأخرى فإن لعلم النفس الإكلينيكي خاصيات مميزة وفريدة من حيث تفرده بمجموعة من التقنيات، ويسعى الأخصائي في هذا العلم على تصميمها وتقنينها، فنجده يستعمل منهج دراسة الحال أو الملاحظة الدقيقة والتي تستلزم في علم النفس الإكلينيكي مهارات دقيقة وفائقة نظرا لتعقد الظاهرة حيث يجب تحديد الهدف بدقة إلا قد تصبح مضيعة للوقت ( دراسة كروكر حول دقة الملاحظة ) ، إضافة إلى أهم التقنيات والأكثر شيوعا في هذا الفرع، وهي الاختبارات النفسية.
وسنقتصر في هذا العرض على دراسة أهمية الاختبارات في علم النفس الإكلينيكي وكيف يتم استعمالها من طرف الأخصائي للوصول إلى ما يرمي إليه من تقييم أو تشخيص أو علاج ؟
ونعتمد في هذا العرض التدقيق في أفكار، على الانتقال من المجال العام للعنوان والذي يتخذ علم النفس الإكلينيكي كإطار عامل لبحث، وذلك من خلال التساؤل عن البدايات الأولى لهذا العلم وكيفية ظهوره؟ وأيضا ما هي التحولات والتطورات التي طرأت عليه ؟ ثم بعد ذلك نتقل إلى ما يخصنا بالأساس في هذا العرض من خلال وضع تحديد دقيق لمفهوم الاختبار، وأيضا أنواع الاختبارات والتي سنختصر فيها على أهم الاختبارات المستعملة في مجال علم النفس الإكلينيكي ؟ فما معنى علم النفس الإكلينيكي ؟ وما هو الاختبار النفسي ؟
I. علم النفس الإكلينيكي :
1. البدايات الأولى لعلم النفس الإكلينيكي:
قبل تحديد بدايات علم النفس الإكلينيكي فإنه يلزمنا أولا تحديد المجالات التي يشتغل داخلها هذا الفرع من علم النفس والتي يمكن اختصارها في ثلاث مجالات:
1- المجال الأول حيث نجد فيه تركيز على القدرات العقلية العامة، وفي هذا المجال يهتم الأخصائي النفسي بقياس قدرات الفرد العامة والمختلفة من ذكاء واستعدادات وتحصيل وغيرها من المفاهيم والتكوينات الافتراضية التي يقوم الأخصائي بأجرأتها، حيث يظل هذا هو الدور الأبرز للإكلينيكي في هذا المجال.
2- وفي المجال الثاني الذي يحضر فيه الإكلينيكي يتعلق بقياس الشخصية ورصفها وتقويم السلوك الشاذ فيها، وقد اهتم علم النفس الإكلينيكي بهذا الجانب بعد مرحلة التطور التي عرفها، والتي سنفصل فيها فيما بعد.
3- أما المجال الثالث وهو المتعلق بطرق وأساليب العلاج المختلفة التي ابتكرها الإكلينيكيون والتي تختلف عن طريق العلاج في الطب النفسي والعقلي، بل تعد هذه الوسائل من ابتكار الإكلينيكيين أنفسهم.
بعد تحديد أهم المجالات في مستواها النظري والتي ينتقل الإكلينيكي داخلها، يمكننا أن نؤطر البدايات الأولى لعلم النفس الإكلينيكي والتي ارتبطت بالأساس على الانشغال في المجال الأول، وبالرجوع إلى مبتكر تسمية علم النفس الإكلينيكي " ويتمر wertmer " نجده قد كان مهتما بالدراسات الذهنية لدى الأطفال خصوصا أولئك الذين يعانون من التأخر الدراسي، فنجد التركيز قائم على البعد المعرفي حيث كانت أول عيادة سنة 1896، لكن قبل ذلك فعلم النفس الإكلينيكي تأثر بمجالين هما:
1- دراسة السلوك غير السوي ( التخلف، الضعف العقلي ) حيث كان مهتما بهذه الجوانب كل من " شاركو" وجانيه" ولويس روستان..."كل في مجال تخصصه. وتم وصف الاضطرابات على أنها ظواهر طبيعية، وقد عملوا على البحث عن الأسباب المؤدية لهذا الشذوذ، حيث نجد مثلا " برنهايم" ركز على علاج الهستيريا، و" وليام جيمس" قدم إسهامات مهمة في مجال الشخصية السوية وعلم النفس المرضي.
2- أما المجال الثاني الذي أثر في بدايات علم النفس الإكلينيكي إن لم نقل أنه ركيزته الأساسية فهو دراسة الفروق الفردية مع كل من " غالتون" و" كاتل"خصوصا عند نشر "كاتل" لمقاله "الاختبارات والمقاييس العقلية"، وهنا نجد بأن وضع الاختبارات أصبح مظهرا من مظاهر علم النفس الإكلينيكي، وبعد ذلك نشر "bennet "و "simon " عام1905 اختبار شامل لقياس القدرة العقلية للأطفال المتأخرين عقليا، وقد عرف هذا الاختبار عدة مراجعات.
تظهر إذن البدايات الأولى لعلم النفس الإكلينيكي على أنها تداخل لمجموعة من الأحداث المهتمة بمجالات بحث مختلفة لتسهم في بناء فرع مهم في علم النفس. لكن ما هي التطورات التي عرفها علم النفس الإكلينيكي بعد ذلك ؟ وما هي مجالات الاهتمام التي أصبح يشملها الأخصائيون بالبحث والدراسة وأيضا التطبيق ؟
2. تطور علم النفس الإكلينيكي :
حدث تطور كبير لعلم النفس الإكلينيكي بعد الحرب العالمية الثانية حيث كثر عدد المصابين بالاضطرابات النفسية، ومع قلة الأطباء النفسيين تم اللجوء إلى البحث عن مساعدة الأخصائيين الإكلينيكيين، ومن هنا بدأت خطوات العلاج لدى الإكلينيكيين أيضا، فتحول العمل في علم النفس الإكلينيكي إلى المستشفيات ومختلف الأماكن التي يتواجد فيها السكان بهدف تقديم المساعدة والتوجيه وأيضا العلاج، وقد حصل هذا التطور بحدوث نوع من التلاحق حيث كان في الوليات المتحدة الأمريكية الاهتمام بالاختبارات مع "كاتل" ومع هجرة العلماء الأوربيين في ظروف الحرب العالمية تم انتشار مبادئ التحلي النفسي، وانطلق بذلك الاهتمام أكثر بالشخصية وقياس خصائصها المنحرفة، وذلك كمحاولة مواجهة ما تخلفه الحرب من اضطرابات في صفوف الكبار الذين يعانون من انهيارات نفسية، وهكذا تم تحول علم النفس من الاهتمام بالأطفال في بدايته إلى الاهتمام بعلاج الراشدين أيضا، وذلك بالتركيز على ما يساعد الفرد في العلاج وعدم الاهتمام أكثر بالتصنيفات. وبهذا أصبح المجال شاسعا لعمل الإكلينيكيين على جميع المستويات حيث أصبح الإكلينيكي متواجد في الكثير من المجالات:
- في السجون يتم تحديد المصابين بالأمراض العقلية وقياس الذكاء.
- القيام بالعلاج الفردي والجماعي.
- إجراء الاختبارات المساعدة على وضع المبحوثين في المهن والمدارس الموجودة داخل السجن.
- تطبيق اختبارات الشخصية خاصة للراشدين في مستشفيات الأمراض العقلية.
وحوالي 1960 وبعد انخفاض حدة علاج المصابين في الحرب عاد الاهتمام مرة أخرى بالأطفال وأيضا تم التوسع في مجالات كثيرة أخرى.
ويمكن تحديد التحولات التي عرفها علم النفس الإكلينيكي بعد البدايات الأولى:
1- الانتقال من الاهتمام الرئيسي بمشكلات ومعوقات الأطفال إلى مشكلات توافق الكبار.
2- الانتقال من قياس الذكاء إلى قياس الشخصية.
3- الانتقال من الاهتمام بتصنيف الشذوذ العقلي مع توكيد وظيفة الإكلينيكي إلى الاهتمام بحالات العلاج الفعلي.
وبغض النظر عن التقسيم التاريخي لظهور علم النفس الإكلينيكي فيمكن إعطاء قواعد عامة والتي يشتغل عليها الإكلينيكي والتي تظل مسلمات في هذا الفرع من علم النفس وهي:
1- الحافز والدافعية: فكل سلوك له دافعية.
2- الحتمية النفسية والمعنى السلوكي.
3- الاطراد بين السلوكات لدى الأشخاص
4- التقريرية واللاشعورية في الدوافع.
5- السلوك أنماط متعلمة ومكتسبة.
بمعنى أشمل فإن الأخصائي عليه أن يحيط بكل ما يمكنه التأثير في السلوك وذلك لعدم إغفال م}ثر أو آخر في تفسير منحى سلوك معين، وذلك بمراقبة وضبط الجوانب المنهجية في دراسته من خلال دقة الملاحظة، وعدم الانسياق وراء التصنيفات من خلال عنونة الأفراد بصفات قارة ثم الذر والدقة في مسائل القياس والتقدير الكمي.
II. الاختبارات النفسية:
1- مفهوم الاختبار وأهم خصائصه :
الاختبار هو أداة للحصول على عينة من سلوك الفرد في موقف معين ومقنن ،وهو أيضا طريقة من طرق القياس النفسي وذلك للحصول على سمات الفرد من خلال تقديرات الشخصية ويكون بهدف تطوير الكفاءة أو المساعدة على التعلم ، وقد تم تحديد مفهوم الاختبار من طرف العديد من العلماء إلا أن حصر واحتواء هذا المفهوم في إطار محدد يبقى أمرا صعبا، ويمكن تقديم تعريف cronbach et picot
1-كرونباخ :الاختبار هو إجراء منظم من ملاحظة سلوك الأفراد ووصفه بواسطة مقياس رقمي أو نظام تصنيفي .
2-بيكوت :الاختبار هو مقياس مقنن للسلوك يصلح لإثارة سلوك معين قصد تقييمه وتحديده للمقارنة الإحصائية مع باقي الأفراد الذين يوجدون في نفس الوضع حتى نتمكن من تقييم أداء المفحوص بطريقة كمية أو تصنيفيه.
وما يمكن ملاحظته هو أن تعريفات الاختبار تتعدد حسب موضوع اهتمام كل عالم وأيضا حسب الوضعية والكيفية التي يطبق فيها الاختبار، فمثلا إذا كان العالم يهتم بجانب قياس القدرات العقلية كالذكاء ،فإن الاختبار سيتخذ شكل أداة للقياس ،وإذا كان يستخدم من طرف العالم في العلاج فإنه سيصبح أداة لكشف الاضطرابات أو لتحديد سمات الشخصية .
وعموما يمكن تحديد العناصر الأساسية في الاختبار النفسي كالتالي:
1-البناء والإطار النظري للسلوك حيث إن أي اختبار يهتم بسلوك معين سواء تعلق الأمر بسلوك معرفي كما الأمر في اختبارات الذكاء ،أو سلوك اجتماعي أو غيره من السلوكات .
2-الوضع التجريبي وذلك بكون الاختبار يهتم بكل المتغيرات التي لها علاقة بالوضع الذي يقيسه ‘وذلك عن طريق تفكيك السلوك إلى أجزاء ثم دراسته وبالتالي وضع ما يلائم من الأسئلة، فمثلا إذا ما كان الأخصائي يهتم بدراسة الاكتئاب في فئة معينة فعليه تفكيك السلوك ووضع المفاهيم الإجرائية للاكتئاب كضعف الشهية والانسحاب الاجتماعي والأرق وغيرها من المتغيرات ..
ويجب أن يتميز الاختبار بمجموعة من الصفات الأساسية التي تجعل منه أداة موثوق فيها في عملية القياس وأيضا في عملية تحليل السلوك:
1- الصدق : تحديد ما يقيسه الاختبار بدقة ،وتفكيك هذا السلوك المدروس بهدف معاينته والإحاطة به بشكل دقيق فبعض الاختبارات مثلا صممت لقياس الذكاء الاجتماعي ووجد فيما بعد أنها تقيس القابلية اللفظية ويتم تحديد صدق الاختبار من خلال البحث عن كيفية تحديد واختيار بنوده وذلك بالاعتماد على ما يسمى بالمحك أي مقارنته باختبار يقيس نفس السلوك وأيضا البحث في صدق المضمون الذي يحتويه الاختبار وغيره من الجوانب الأخرى.
2- الثبات:وذلك بإبعاد تدخل المصادفة في إجابة أسئلة الأفراد، وأيضا عن طريق تقنين الاختبار حسب البيئة التي يتم فيها تطبيقه.
3- المعاييرويقصد بها وضع معيار في الاختبار للمقارنة معه ،من خلال ضبط جميع استجابات المفحوصين على الاختبار.وعلى المتوسط الحسابي مثلا.
4- الموضوعية :حيث تبقى شرطا رئيسيا في الاختبار وتتحقق من خلال القدرة على التحكم في كل هذه المكونات السابقة الذكر وضبطها بآليات علمية .
وفيما يخص أهداف الاختبار فإنه يركز أولا على التقدير الكمي، ثم معرفة الفروق بين الأفراد ومعرفة الفروق عند الفرد نفسه وذلك عن طريق المقارنة بين النواحي النفسية المختلفة داخل الفرد وهذا ما أعطانا تنوعا في الاختبارات .فما هي أهم أنواع الاختبارات؟
2- أنواع الاختبارات:
بالنسبة لتصنيف الاختبارات النفسية فإننا نجد اختلافا كبيرا في تصنيفها وذلك بالنظر لتعدد الوضعيات ،وحسب الهدف والطريقة التي نطبق بها الاختبار .ولهذا فإننا سنقتصر في هذا المحور عل ذكر أهم آليات التصنيف في الاختبارات وذلك لكوننا سنتطرق إلى أهم الاختبارات في المجال الإكلينيكي والمتعلقة بتلك التي تقيس الشخصية أو الفروق الفردية ،وتلك التي تهتم بالإنسان في الحالة السوية والأخرى التي تستعمل في تشخيص الشخصية المرضية .
أما المعايير التي يعتمد عليها في تصنيف الاختبارات فتتعلق ب:
-نوع الاختبار حسب نوع ما أعد لقياسه (الميول، الذكاء، الاتجاهات....)
- حسب المظاهر وذلك من خلال الكيفية التي يؤدى بها الاختبار هل هو اختبار للذكاء أو الاستعداد ....
- حسب طريقة الإجراء :هل هو فردي أم جماعي ...
ويمكن أن نحدد نوعين رئيسيين في الاختبارات وهما اللذان يوجدان في علم النفس الإكلينيكي بشكل كبير وهما اختبارات الذكاء والتي بهما بدأت انطلاقة هذا العلم، ثم اختبارات الشخصية. وقد قام sundnberg بدراسة مقارنة سنة 1961 صنف من خلالها الاختبارات حسب وضع استعمالها (فردية أم جماعية ) .
الإختبار واصطلاحه التطبيق
1)مانيسوتا المتعدد الوجوه (اختبار الشخصية)
جماعي
2 اختبار بقع الحبر لرورشاخ RIT
فردي وجماعي
3 مقياس ستلنفورد بينيه فردي
مقياس ويكسلر_بليفيو فردي للكبار والصغار
اختبار تفهم الموضوع TAT فردي
اختبار بندرغشتالت البصري الحركي BVMGT فردي
اختبار رسم الرجل للأطفال (جود إنف) فردي
اختبار رسم الشخص فردي
اختبار غولدشتاين_شيرر للتفكير المجرد والمحسوس فردي
اختبار كودر للتفصيل المهني فردي
اختبار المنزل والشجرة والشخص. فردي
III. الاختبارات في المجال الإكلينيكي :
1-أهمية الاختبار في المجال الإكلينيكي :
يهتم علم النفس الإكلينيكي إذن بكل ما له علاقة بالفرد سواء من ناحية شخصيته أو من ناحية قدراته المعرفية ،وقد كانت أهم الأدوات التي اعتمدها علماء النفس الإكلينيكي في بداية هذا العلم هي القيام بإعداد اختبارات نفسية لقياس القدرات في البداية ،وقد تم ذلك مع كل من "بينيه وسيمون" وسنتطرق لاختبار" بينيه" بشيء من التفصيل وأيضا التطورات التي لحقت هذا الاختبار من خلال التعديل الذي طرأ عليه .
قبل صياغة الاختبار تطرح إشكالية تعريف المفهوم الذي يقيسه هذا الاختبار، فمثلا مع "بينيه" طرح إشكال تعريف الذكاء فطرحت عدة نظريات تحدد الاختبار بشيء من الشمولية ( نظرية العوامل المتعددة، نظرية العاملين،العوامل الطائفية...) و غيرها من النظريات التي تركز على جانب دون الآخر، وبالتالي فلوضع اختبار حول الذكاء يجب أولا تحديد ما الذي نقصده بالذكاء.
يحدد "ثورندايك" الذكاء في ثلاثة أنواع: المجرد والمحسوس ثم الذكاء الاجتماعي ،في حين أن"غالتون " يركز على كون الذكاء ثابت ومتعلق بالوراثة في الحين الذي نجد فيه الجانب البيئي يركز على كون الذكاء متغير وذلك من خلال تحكم البيئة في نسبة الذكاء وتوجيهها له.
وعموما يمكن تحديد مفهوم الذكاء في خمسة جوانب حسب تعريفات مختلف العلماء حيث نجد تعريفات تربط الذكاء بالجانب الإجرائي القياسي أو القدرة على التفكير ،أو بالوظائف السلوكية أو بالقدرة والاستعداد والتعلم واتجاه آخر يتعلق بالتوافق مع البيئة .
يمكن تحديد تعريف شامل يضم مختلف هذه الجوانب بكون الذكاء هو"الاستجابة السريعة والسديدة لمواقف طارئة مفاجئة،وأيضا يتضمن قدرة الفرد على التكيف والمرونة والاستقراء والاستنباط وإدراك العلاقات ،ويعكس قدرات الفرد العقلية واستعداداته للتعلم السريع والاستفادة من خبراته السابقة في مواجهة المواقف والمشكلات الواقعية ،كما يمكن قياسه عن طريق الاختبارات بصفة كمية ولكن جانبه الكيفي يعتمد على فهم وتحليل يتجاوز المقاييس السيكومترية إلى تقييم شخصي وشامل متعدد الزوايا" .وفي هذا الإطار كيف بنى كل من "بينيه" و"ويكسلر" اختباراتهم لقياس الذكاء ؟
• اختبار ألفريد بينيه لقياس الذكاء:
افترض" بينيه" أن الأطفال يختلفون، فأطفال سن السادسة مثلا هناك من هم أقل ذكاء وهناك من هم أكثر ، والغالبية يكون عمرها 6 سنوات (عمر عقلي وزمني ) أي المستوى المتوسط و العادي الذي يجب أن يوجد فيه مستوى الأطفال.
وضع "بنيه" لاختباره 20 مستوى، كل مستوى يتكون من 6 فقرات، ونقول بالنسبة "لبنيه" أن الفقرة تكون مناسبة للعمر 6 سنوات إذا تخطاها 75% من الأطفال، وإذا تخطاها أقل من 50% نقول بأن الفقرة صعبة فيجب أن تنقل إلى سن أكبر ( 7/8 سنوات )، أما إذا تخطاها أكثر من 80% من الأطفال فالفقرة سهلة فتنتقل إلى مستوى أقل (4/5 سنوات)، وقد ركز bennet" على ما سماه بالعمر العقلي، فمعنى أن يكون العمر العقلي لشخص هو 8 سنوات أي أن يستطيع اجتياز الفقرات الخاصة بهذا المستوى بنجاح.
وقد قام "بنيه" بتحليل اختباره من خلال ضمه ل 20 مستوى وكل مستوى يحتوي على 6 فقرات والمستوى الأول يبدأ من سن سنتين، وكل مستوى يستمر لمدة عام، ويكون الفرق بين كل مستوى والذي يليه 6 أشهر.
وتتضمن الفقرة أعمال متنوعة كالفهم اللغوي والقدرة العددية، والاختبار يتدرج من السهل إلى الصعب ومن المحسوس إلى المجرد، ولتطبيق هذا الاختبار يجب معرفة المستوى الدراسي للفرد وعمره الزمني، ويستحسن أن نبدأ بالعمر الأقل، فلتطبيق الاختبار على طفل 8 سنوات علينا أن نبدأ بعمر 7 سنوات والعمر الذي يستطيع الفرد فيه تجاوز جميع فقراته يسمى بالعمر القاعدي، ونذهب مع المفحوص إلى المستوى الذي لا يستطيع أن يتجاوز أي فقرة، ومعادلة الذكاء هي: العمر العقلي/العمر الزمني*100.
وتظل هذه هي الصيغة الأصلية التي وضع بها الاختبار من طرف" ألفريد بنيه"، لكن هذا الاختبار تم تعديله وذلك للملاحظات التي أجراها "سبيرمان" عليه حيث أن هذا الاختبار بهذه الصيغة لا يعد صادقا لذكاء الراشدين فوق 15 سنة ولا يعطي عمليات الذكاء وعناصره تفصيليا، وقد تم تعديله سنة 1937، ثم تمت مراجعته مرة أخرى من طرف "terman و مسريل" 1960، وأصبح يسمى مقياس" ستانفورد بنيه"، أي اسم" بنيه" مصمم الاختبار الأصلي واسم الجامعة التي يشتغل فيها" تيرمان".
اختبار " Wexler "
وقد وضع هذا الاختبار لقياس ذكاء الراشدين ( 16 سنة فما وفق wais )، وتم وضع مقياس آخر لقياس ذكاء الأطفال ما بين 5 و15 سنة wcis، وأيضا تم وضع اختبار الأطفال ما قبل التمدرس، فبالنسبة لاختبار قياس ذكاء الأطفال فقد نشره سنة 1949 وهو متفرع من مقياس الراشدين ( wais ) ويحتوي على 12 اختبار فرعي كما ينقسم إلى مجموعتين :
1- القسم اللفظي: يتوفر على 6 اختبارات فرعية مرتبطة بالمعلومات العامة، الفهم الحساب، المتشابهات، المفردات والأعداد.
2- القسم العملي:يشمل تكميل الصور، الترتيب، رسوم المكعبات، تجميع الأشياء، والمتاهات.
ويمكن استخراج نسبة ذكاء لفظية وأخرى عملية ثم نسبة الذكاء الكلية.
وقد تم اختصاره فيما بعد إلى 10 اختبارات، 5 لفظية و 5 عملية.
يحدد" فيرمان" خصائص هذا الاختبار بكون نسبة الذكاء اللفظية غير ثابتة مقارنة بنسبة الذكاء العملية، ثم وجود تشتت وتباين بين درجات الاختبار من خلال وجود فوارق واضحة، وهذا المقياس حسب "فريمان" هو مقياس للقدرة، وأن أداء الأطفال غالبا ما يمكن أن يتأثر بعدة عوامل كقوة البصر مثلا، وتأثرها في اختبارات ترتيب الصور وتكميلها.
نلاحظ إذن إعطاء أهمية كبرى في بدايات علم النفس الإكلينيكي لقياس قدرات الأفراد والفروق الفردية بينهم، ولم يكن ليحقق ذلك لولا إقدام الأخصائيين الإكلينيكيين بوضع الإختبارت التي تترجم المعطيات العامة إلى مقادير كمية تمكن من تقديم المستوى الذي توجد فيه قدرة معينة للشخص، وأيضا التنبؤ بما يستطيع هذا الشخص فعله بناءا على مستوى قدراته، وهذا ما مكن علم النفس الإكلينيكي من الوصول إلى العمل في أغلب المجالات، والقيام بتقييم الحالات السوية وعلاج الاضطرابات البسيطة إلى الحالات المزمنة، وذلك بالنظر للمرونة التي يتعامل بها مع المواقف.
اختبارات الشخصية:
وتضم هذه الاختبارات التي يعتمد عليها الإكلينيكي في قياس درجة الاضطرابات والعمل على علاجها أو التعرف على نمط وسمات الشخصية، عددا متنوعا من الاختبارات حسب تصميمها وأيضا طرق أدائها وتقييم شخصيات الأفراد عليها إلا أن اختبارات التوافق الانفعالي واختبارات السمات الاجتماعية مثل السيطرة والخضوع والانبساط والاتجاهات والميول تبقى الأكثر استعمالا من طرف الأخصائيين وذلك للارتباط الكبير بالمجالات التي يشتغل داخلها الإكلينيكي فما هي أنواع هذه الاختبارات ؟
1-الاختبارات الاسقاطية: وهي عبارة عن موقف مثير ( صور أو جمل) يوضع أمامه الشخص وتتم ملاحظة ردود أفعاله والوقت المستغرق في الإجابة وغيرها من الجوانب الأخرى، ثم بالأساس إجاباته على هذه المثيرات. والاختبارات الاسقاطية غالبا تقيس جزئيات في الشخصية أو الشخصية ككل لتساير بذلك مفهوم النظرية الحيوية الكلية، ومن خصائص هذه الاختبارات:
1- المثير يكون ناقص التحديد.
2-لا تقيس المظاهر السطحية بل تهتم بالعمق.
3- الفرد لا يكون مدركا لطريقة تقديم استجاباته فيكشف عن نفسه بسهولة.
4- لا تقدر الأجوبة بكونها صحيحة أو خاطئة وإنما بدلالاتها عن الشخصية.
ويؤكد الباحث" نونكات" بأن الغموض الذي تتميزبه هذه الاختبارات هو أكبر الحوافز بالنسبة للمفحوص في الاختبار الاسقاطي ، وقد حدد" ليندزي" 1959 أساليب الاختبارات الاسقاطية في 5 أنواع طبقا لنمط الاستجابة :
1- أساليب التداعي: وهذا الأسلوب مأخوذ من التحليل النفسي الذي يقول بأن الإنسان يعمل من خلال تأثير مجموعة من الدوافع اللاشعورية حيث يقوم بعمليات إسقاط إحساساته ورغباته على المواضيع الخارجية وكذلك يفعل عند الإجابة على الاختبار حيث يفسر صوره أو وحداته بناءا على مكبوتا ته وشخصيته .
2- أساليب التكوين: فالاستجابة ناتجة عن نشاط معرفي تكويني معقد لتكوين قصة حول الصورة حيث يتم اشتغال جميع العمليات العقلية العليا لدى الشخص.
3- الإكمال: وهو في حالة الاختبار الذي يحتوي على جمل ناقصة ويطلب من المفحوص إكمالها ويتم ذلك أيضا بناءا على مكبوتا ته.
4- الاختبار والتنظيم: تنظيم الصور عند استخدامها اسقاطيا فيمكن لشخص أن يرى الصور من الناحية التي يراها مناسبة له.
5- أساليب التعبير: والتي ترتكز على غاية تشخيصية علاجية من خلال الرسم مثلا ( اختبار رسم الرجل ، واختبار رسم الشجرة ... ) .
تقدم الاختبارات الاسقاطية أدوات مهمة لقياس الشخصية وذلك بالتركيز على الاستجابات اللاشعورية للأفراد، إلا أن "كاتل" يرجع هذه الاختلافات في استجابات الأفراد إلى خطأ الإدراك ويرجع ذلك إلى :
1- تفاوت الأفراد في الذكاء والقدرات الحسية.
2- التفاوت في القدرة على التركيز.
3- التفاوت في القدرة الانفعالية السابقة.
ومن بين الاختبارات الاسقاطية نجد ، اختبار تداعي الكلمات واختبار تكملة الكلمات واختبارات تفهم الموضوع الذي وضعه "موركان وموراي" سنة 1935 وهذا الاختبار للكبار والصغار، ويعد الأكثر استعمالا بعد الروشاخ.
وهناك اختبار الروشاخ الاسقاطي الذي يظل أول الأساليب الاسقاطية في تقييم الشخصية، ويعتمد أساسا في تطبيقه على التداعي الحر والاستفسار والتعليل، ويعتمد علماء النفس الإكلينيكي في فهم وتحليل استجابات الأفراد على بطاقات الروشاخ على مجموعة من النظريات من أهمها نظرية " سولي" و"مورفي" لتظهر قيمة هذا الاختبار في بيان الاضطرابات النفسية والتمييز الفارق، وتواجهه عدة مشكلات من مثل الصدق والثبات والفائدة الإكلينيكية أي قدرته على التنبؤ بالسلوك لهذا تم العمل عل تقنينه بل وظهرت اختبارات أخرى تعتمد نفس التقنية الاسقاطية كاختبار " هولتز مان " الجديد لبقع الحبر الاسقاطية.
كما نجد اهتماما خاصا من طرف علماء النفس الإكلينيكي في ابتكار مقاييس عملية تهتم بتشخيص الأفراد الذين يعانون من عاهات جسدية أو لفظية وقد صممت هذه الاختبارات بالأساس للاستغناء عن الاستجابات اللفظية، ونجد من أبرز هذه الاختبارات العملية:
- مقياس " كورنيل " و " كوكس" للقدرة العملية.
- -مقياس " آرثر " للنقط، وقد تم تصميمه سنة 1930.
- اختبارات " بينتر باترسون " سنة 1914 .
وقد تم تصميم هده الاختبارات بعد الاصطدام بحالات لا تستطيع الإجابة على الاختبارات اللفظية أو أن إجابات الأفراد على الاختبارات اللفظية تكون ضعيفة جدا في حين أن إجابات نفس الأفراد على الاختبارات العملية مرتفعة جدا. وأيضا تم تصميمها لتطبيقها على الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة وغير القادرين على الإجابة اللفظية.
• الرورشاخ أهم الاختبارات الاسقاطية المستعملة في علم النفس الإكلينيكي :
ركز " رورشاخ" المولود سنة 1884 بسويسرا في بناء اختباره الإسقاطي على ضرورة توفر صفة السيكومترية في بقع الحبر حيث يتم تحفيز المفحوص على الاستجابة .وقد قام بتحديد شروط خاصة لكل شكل وتجريبها قبل استخدامها كاختبار ،وقد جرى تقنين اختبار الرورشاخ على 405 أشخاص ،رغم أنه في البداية كان يهدف إلى دراسة الإحساس والذاكرة والترابط.
بعد ذلك تبين أنه يمكن استعمال الاختبار كاختبار تشخيص لكن يجب الحذر في التشخيص عن طريق استعمال الاختبار فقط.وهناك مسلمات في اختبار الرورشاخ :
- وجود علاقة بين الإدراك والشخصية والاختبار يعكس ديناميات التكوين النفسي للفرد .
- يفرق مابين المرض و السواء .
- له قيمة في العلاج من حيث التنبؤ باحتمال نجاح العلاج وتقييم درجة النجاح كما يمكن أيضا استخدامه لقياس الذكاء .
ويتم تقديم الاستجابات في هذا الاختبار بناءا على أربعة جوانب :
1- المكان: حيث إن استجابة المفحوص قد تشمل البطاقة كاملة أو جزء منها فقط .
2- المحددات :وهو الذي يتم على أساسه تقديم الاستجابات (الشكل والحركة واللون والظلال.)
3- المحتوى :ويكشف الرغبات والاهتمامات والتفاعل الاجتماعي للفرد .
4- الاستجابات الشائعة والاستجابات الأصلية : فالأولى تعبر عن قدرة المفحوص على رؤية الأجزاء العامة التي يراها كل الناس في حين أن الأصلية تشير إلى نوع فريد ومتميز في الفكر .
أما طريقة تطبيق الرورشاخ فتعتمد على توفير عدة شروط :
- تهيئة الشعور بالراحة والاطمئنان للمفحوص .
- إعداد أدوات جلسة الفحوص والفاحص .
- الأدوات الأساسية وبطاقات الرورشاخ العشر .
- ورق مسطر لتسجيل الاستجابات .
- ساعة توقيت لتسجيل الوقت .
- إعطاء تعليمات للمفحوص في تحديد المطلوب منه .
كما نجد هناك عدة مراحل في تطبيق الرورشاخ وهي :
1- مرحلة التداعي الحر :إعطاء الفرصة للمفحوص كاملة في تقدير ما يوجد في البطاقات .
2- مرحلة التحقيق: مطالبة المفحوص ببعض التفاصيل حول ما يراه في البطاقة وذلك من خلال توضيح مكان الاستجابة مثلا .
3- مرحلة التقدير : هل الاستجابة جزئية أم كلية وذلك بالإشارة إليها .
4- مرحلة التفسير :وهي تتطلب مهارة خاصة ولا تؤخذ نتائجه كمسلمات أساسية ونهائية ،تساعد في وضع الفروض.
خاتمة :
يظل علم النفس الإكلينيكي فرعا مهما في علم النفس من خلال الاهتمامات المتنوعة للظواهر الإنسانية التي يقوم بدراستها وتحليلها ،ولعل ما جعل هذا العلم أكثر قدرة في تفكيك هذه الظواهر هو اعتماده على الدراسة الشاملة لكل ظاهرة وذلك من خلال ما يتوفر عليه من تقنيات وأساليب تسهل معرفة الظاهرة ليتم بعد ذلك وصف التشخيص الملائم لها إن كان المشكل اضطرابا نفسيا ،أو العمل على التنبؤ بمستقبلها إذا ما كانت حالة إكلينيكية سوية كالذكاء مثلا .
ولعل اعتماد الاختبارات بمختلف أنواعها في علم النفس الإكلينيكي ساهم بشكل كبير في تسهيل مهام الإكلينيكي بل والتأسيس لهذه المهام من خلال كون الاختبار هو الأداة الأولى في الاستخدام لدى الإكلينيكي وذلك بهدف التعرف على الظاهرة في شكلها العام ليتم تحديد الجوانب الدقيقة فيها اعتمادا على تقنيات أخرى أكثر قدرة على التفكيك والتحليل .