الممارسة العلاجية القائمة على الشفقة بالذات
أ.د رياض العاسمي
جامعة دمشق، قسم الإرشاد النفسي
يمكن النظر إلى مفهوم الشفقة بالذاتSelf Compassion باعتباره بناء متعدد الأبعاد، يتكون من أربعة عناصر أساسية، هي: 1- الوعي بالمعاناة( المكون المعرفي)، 2- والاهتمام التعاطفي المتعلق بسير المعاناة( المكون الوجداني)، 3- والرغبة في النظر إلى كيفية التخفيف من المعاناة( العنصر الانتباهي)، و4- الاستجابة أو الاستعداد للمساعدة على التخفيف من تلك المعاناة( المكون التحفيزي)(Halifox,2012).
وهناك اتفاق كبير بين علماء النفس على أن الشفقة بالذات تتكون من مزيح من المكونات المعرفية والوجدانية والتحفيزية. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك زيادة كبيرة في البحوث العلمية التي اهتمت بموضع الشفقة بالذاتSelf- Compassion، حيث بلغت ذروتها في عام (2009) حيث بلغ مجموع البحوث التي وجدت على محرك البحث الالكتروني، جوجل(37500( بحثاً يتعلق بالشفقة، وفي عام( 2012) تم حصر (30000) بحثا عن نفس محرك جوجل. وفي عام (2015) تم الكشف عن (996000) بحثا تناول الشفقة وعلاقته بالعديد من المتغيرات.
وقد اتخذ العلماء مجموعة متنوعة من الخلفيات حول فائدة الشفقة بالذات، وذلك لما لها من علاقة إيجابية مع الرضا عن الحياة، والحكمة، والسعادة، والتفاؤل، والفضول، والترابط الاجتماعي. كما ترتبط عكساً بالنقد الذات، والجمود الفكرية أو التوحد مع الذات والعزلة الاجتماعية، والاكتئاب والقلق ، والاجترارRumination الفكري(Neff et al,2007)
وفي ضوء العديد من المتغيرات التي لها صلة مباشرة بالشفقة، سعت كثير من البحوث لتطوير أساليب لتعزيز الشفقة بالذات من خلال تصميم برامج تدريبية قائمة على الشفقة بالذات، حيث وجد حتى الآن العديد من البرامج مثل البرامج التدريبية القائمة على التأمل لزيادة الشفقة بالذات وتعزيز الرفاه(Barnard& Curry,2011)، وبعض البرامج صممت خصيصاً لتطوير الشفقة المتمركزة على الذات. ومن الأمثلة على ذلك ما قام به جيلبرت وآخرونGilbert et al,2011)) للتدريب العقلي على الشفقة(CMT) Compassionate Mind Training، والبرنامج العلاجي الجماعي العلاج القائم على الشفقة بالذات Group therapy program based on compassion focused therapy والذي تم تصميمه للأفراد الذين يعانون من مستويات مرتفعة من الخجل والنقد الذات. وقد أثبتت هذه البرامج فعاليتها في الحد من القلق والاكتئاب والخجل(Gilbert &Procter,2006)، وهناك أيضاً برامج قائمة على الشفقة بالذات العقلية(MSC)، وكذلك برامج الشفقة التي تركز على الذات، وهذه البرامج تساعد على زيادة الشفقة بالذات واليقظة العقلية والتعاطف مع الآخرين، والرضا عن الحياة، وتقليل حدة الاكتئاب والقلق والإجهاد والتجنب.
وتهدف هذه البرامج جميعها إلى تعزيز الشفقة بالذات، فعلى سبيل المثال تم تطبيق برنامج التدريبي القائم على الشفقة بالذات لمدة (6) أسابيع لدى طلبة جامعة إموريEmory Uni والذي سعى إلى زراعة الأفكار والسلوكيات الإيجابية وذلك من خلال تركيز على الأفكار والذات والسلوكيات غير التكيفية. وقد أثبتت نتائج الدراسات تحسن في الاستجابة المناعية للضغوط النفسية والاجتماعية لدى أفراد العينة(Pace et al,2009). وفي جامعة ستانفورد تم تطوير برنامج قائم على التدريب لتعزيز الشفقة بالذات والآخر(Jinpa,2010) الذي استمر لفترة (9) أسابيع، حيث أشارت النتائج إلى أن البرنامج استطاع التقليل من المخاوف الذاتية والمخاوف من الآخرين.
ويبدو أن النتائج التي أظهرتها البرامج التدريبية لتنمية الشفقة بالذات لدى عينات مرضية وسوية أثبتت فعاليتها في الحد من المشكلات المختلفة التي تواجه العديد من الأفراد، كما أن تمكنت من تعزيز الشفقة بالذات ومكوناتها المعرفية والوجدانية والتحفيزية، إضافة إلى تدعيم المرونة النفسية. فقد تم تسليط الضوء على المرونة النفسية باعتبارها أساس الصحة النفسية والرفاه، فقد تصف المرونة النفسية بالتكيف مع المطالب الظرفية، وإعادة تشكيل المصادر الذاتية في المواقف الصعبة، والتحول من المنظور الذاتي إلى المنظور الموضوعي والعقلي في التعامل مع المشكلة، والتوازن بين الرغبات والاحتياجات المتصارعة في حياة الفرد.
من هذا، نأمل من الباحثين في مجالات الصحة النفسية التركيز على الجوانب الإيجابية لدى الشخص السوي والمريض، وذلك من خلال وضع برامج إرشادية وعلاجية تساعد هؤلاء الأفراد على تعزيز الشفقة بالذات واليقظة العقلية والمرونة النفسية ضمن منظور علم النفس الإيجابي وليس من منظور التصور المرضي. ومن هذا الجانب قام الباحث الحالي بإعداد مجموعة من الأدوات التي تساعد على الكشف عن نقاط القوة الإيجابية لدى الفرد والسعي إلى تنميتها بدلاً من معالجة جوانب والضعف والقصور، مثل الاكتئاب والقلق وغيرها من الاضطرابات النفسية، كما صمم الباحث برنامجاً تدريبياً لتنمية الأمل لدى طلبة المرحلة المتوسطة، حيث أعط نتائج إيجابية في الشفقة بالذات والتنظيم الانفعالي والمرونة النفسية. ويأمل الباحث من الباحثين في مجال الصحة والعلاج النفسي في البلاد العربية التوجه نحو هذا المنحى لتنمية نقاط القوة الإيجابية لدى الأطفال والراشدين وكبار السن.