التقويم
من الكلمات التي شغلت الباحثين والعامة على حد سواء في السنوات الأخيرة كلمة "تقويم". هل لا تزال تدل على المعنى المراد منها؟ أم الأصح أن نستخدم كلمة "تقييم"، التي أصبحت أخف على الألسنة وأوسع في الانتشار؟
ولعل مصدر الخلاف هو الجذر الثلاثي للكلمة، وهو "قَوَّم"، ومنه تُصاغ كلمة "قيمة" تبعاً للقاعدة الصرفية في اللغة العربية، التي ترى أن "الواو إذا وقعت ساكنة بعد حرف مكسور قُلبت ياء لتناسب الكسرة". إلا أن القاعدة العامة المطردة في الاشتقاق بالنسبة لمثل هذه الكلمات هي العودة إلى أصل الحروف في الثلاثي. وعلى هذا ففي حالة كلمة "قيمة"، نعود إلى الأصل "قَوَّم" مرة أخرى، ناظرين إلى الواو مرة أخرى فنقول "قَوَّم" و"تقويماً".
ولكن لوحظ أن بعض العرب أهملوا النظر إلى أصل الحرف في الجذر الثلاثي، ونظروا إلى حالته الراهنة بعد إبداله في الكلمة، وهذا ما يسميه بعض النحاة "الاشتقاق على التوهم"، أو ما يسميه بعض المحدثين "الاشتقاق من المشتق، دفعاً للغموض وإزالة للبس".
ومن هذه القاعدة الخاصة، أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة أن يُقال قيمت الشيء تقييماً، بمعنى حددت قيمته، وذلك للتفرقة أو إزالة للبس بين هذا المعنى وبين "قومته" بمعنى عدلته وجعلته قويماً أو مستقيماً[1].
وهكذا توجد في لغتنا المعاصرة كلمتان صحيحتان فصيحتان. ووجودهما على هذا النحو يمكن أن يحل لنا مشكلة التداخل في المعنى والخلط في الاستخدام، حين نجدنا إزاء كلمتين أجنبيتين هما Valuation، وفي رأينا أن أفضل ترجمة لها الآن هي "تقييم"، والكلمة الأخرى هي Evaluation، وأفضل ترجمة لها أيضاً كلمتنا التقليدية المعتادة "تقويم". فالأولى لا تتجاوز معنى تحديد القيمة أو القدر، أما الثانية ففيها معنى التعديل والتحسين والتطوير.
صحيح أن المفهوم اتسع نطاقه في السنوات الأخيرة وامتد إلى مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة والطب وغيرها، إلى الحد الذي دفع بعض المهتمين إلى الكتابة فيما يُسمى "علم التقويم Evaluation Science" وفي جميع الحالات يتجاوز اللفظ حدود "تحديد القيمة" إلى التحسين والتطوير والتنمية. ولعل هذا أقرب إلى المعقول. فالباحث في العلوم الإنسانية بصفة عامة، لا تتشابه مهمته مع مهمة الناقد الفني أو الأدبي التي تقتصر على "وزن" العمل الفني والأدبي "بميزان النقد" ليحدد قيمته وجدواه. ولا تمتد بالطبع إلى اقتراح الطرق التي يمكن بها أن يتحسن العمل الفني أو الأدبي أو يتطور، وهو عمل أقرب إلى التقييم منه إلى التقويم.
مما سبق يتضح أن التقييم يتضمن إعطاء قيمة، أما التقويم فيتضمن الإصلاح والتطوير. إن هذا يوضح العلاقة التفاعلية بين كل منهما، فعند تقويم شيء تظهر أوجه القصور والضعف، مما يؤثر في تقييم هذا الشيء، فإذا ما اتخذت الإجراءات اللازمة للتحسين والتطوير، ازدادت قيمة الشيء.
تعريف التقويم
يحفل التراث بالعديد من التعريفات، منها:
· عملية إصدار حكم على مدى تحقق الأهداف، ودراسة الآثار التي تحدثها بعض العوامل والظروف في تيسير الوصول إلى هذه الأهداف أو تعطيله.
· عملية جمع للبيانات وتحليلها بطريقة منظمة، لكي نحدد مدى تحقيق الأهداف.
· عملية جمع للبيانات وتحليلها، لكي تُتخذ قرارات في ضوء نتائج هذا التحليل.
· عملية اتخاذ القرار (التربوي) على أساس من القياسات والملاحظات، بهدف التطوير والتحسين.
· فحص مدى الملاءمة بين مجموعة معلومات ومجموعة مقاييس، لقياس الهدف الموضوع، وذلك بقصد اتخاذ قرار.
· رأي يتعلق بفاعلية متغير، أو برنامج ما، يجري تدريبه أو تنفيذه.
· تعرُّف قيمة وجدارة ظاهرة (تربوية معينة).
· عملية تخطيط وحصول وتزويد بيانات مفيدة للحكم على بدائل القرارات.
من التعريفات السابقة يمكن النظر إلى التقويم على أنه:
1. سلسلة من الإجراءات المنظمة لجمع بيانات ومعلومات، أي أن التقويم عملية منظمة.
2. استخدام تلك البيانات في تحديد الوضع الراهن لموضوع التقويم، والوقوف على الظروف والأحوال المختلفة التي أحاطت بموضوع التقويم، أي أن التقويم عملية تحليلية.
3. مقارنة بين الأهداف بصفتها متغيرات متوقعة (المحكات)، وما تحقق منها في الواقع (النتائج)، أي أن التقويم عملية مقارنة.
4. بناءً على المقارنات السابقة يصدر حكم على مدى تحقق الأهداف، أي أن التقويم عملية تشخيصية.
5. بناءً على الحكم الصادر، يُتخذ قرار يُترجم في إجراءات، أي أن التقويم عملية علاجية.
خصائص التقويم
من العرض السابق، يتضح أن التقويم عملية تتصف بعدة خصائص، منها:
1. منظمة: يسير التقويم في مراحل وخطوات معينة، تبدأ بتحديد الأهداف العامة لموضوع التقويم، ثم ترجمتها في صورة أهداف إجرائية، يلي ذلك اختيار أساليب جمع البيانات والتحقق من خصائصها العلمية ودرجة ملاءمتها للوقوف على التغيرات الناتجة من تحقق تلك الأهداف. أما العملية أو الخطوة الثالثة، فهي وضع المعايير والمستويات أو المحكات التي تُستخدم في الحكم على مدى التغيرات الآنفة. ثم الخطوة الرابعة، وهي جمع البيانات باستخدام الأدوات السابق اختيارها واختبارها. يلي جمع البيانات إخضاعها للتحليل المقارن مع المعايير والمحكات. بناءً على هذا التحليل يصدر الحكم الذي يُبنى عليه اتخاذ القرار.
2. تحليلية: لإجراء الدراسة التقويمية توجد قوائم تحليلية تُستخدم في هذا الغرض، فمثلاً لجمع البيانات:
أ. تحديد مصادر المعلومات والمتغيرات والحاجات المرتبطة بها، مثل الأشخاص المستفيدين ـ الأشخاص القائمين بالتنفيذ أو العمل ـ الأشخاص القائمين على إدارة العمل ـ المخططين ـ الأشخاص والجماعات التي تتأثر بنتائج التقويم ـ الأحداث والأنشطة التي يمكن ملاحظتها مباشرة ـ المتغيرات السياقية ـ الوثائق المتاحة ـ قواعد المعلومات المتاحة.
ب. تحديد الطرق والأدوات الملائمة لجمع البيانات:
(1) البيانات التي يمكن الحصول عليها مباشرة من الأشخاص باستخدام المقابلة أو الاستبيانات.
(2) الإنتاج الشخصي، مثل الأداء وعينات العمل.
(3) البيانات التي يجمعها ملاحظون باستخدام الملاحظة المباشرة.
(4) قواعد البيانات المتاحة ومدى وفرتها.
3. مقارنة: يهتم التقويم بجمع بيانات ومؤشرات دالة على تحقيق الأهداف، ثم مقارنة تلك البيانات الفعلية التي جمعت عن الواقع بمحكات معينة أو مستويات متوقعة للأداء، للوقوف على الفجوة بين ما هو متوقع وما هو حادث. في هذه الحالة يُسمى التقويم "بالتقويم المطلق".
وفي بعض الأحيان يهتم التقويم بتقدير درجة فاعلية أو نجاح أكثر من برنامج أو مشروع، ومن ثم يجري مقارنة بين آثار البرنامجين من دون الحاجة إلى معرفة أسباب تميز أحدهما على الآخر. وفي هذه الحالة يُسمى التقويم "بالتقويم النسبي".
4. تشخيصية: للتقويم أنواع معينة، وبعض منها يوضح الخاصية التشخيصية للتقويم:
أ. التقويم المبدئي أو القبلي، ويكون قبل تنفيذ برنامج معين، ويستهدف تشخيص ما لدى الأفراد من خصائص وسمات وتحديد درجة ملاءمتها للبرنامج. كما يستهدف تشخيص النقائص في المتطلبات اللازمة لدخول البرنامج الجديد والمشاركة فيه، وتحديد المشكلات الخاصة لدى الأفراد التي تتعلق بالبرنامج الجديد.
ب. التقويم التكويني، وهو تقويم للعمليات التنفيذية بغرض تحسين هذه العمليات، ومن بين أهدافه تشخيص الصعوبات التي تواجه عملية التنفيذ وتحديد أسبابها، ووصف الطرق العلاجية لها.
ج. التقويم التجميعي، وهو تقويم للنتائج أو المخرجات، للوقوف على مدى تحقق الأهداف. ويستهدف إصدار أحكام تُتخذ بناءً عليها القرارات اللازمة لإصلاح النقائص، أو دعم مواضع القوة التي ساعدت على تحقيق الأهداف.
د. تقويم التقويم، أو الدراسة التحليلية المدققة لسلسلة العمليات التي تضمنتها عملية التقويم، وذلك لتحديد أوجه القوة والضعف فيها، واتخاذ القرارات لإصلاح مسار التقويم إذا لزم الأمر.
5. مستمرة: التقويم عملية مستمرة، تبدأ منذ التخطيط الأولي لعملية التقويم نفسه، ثم تقويم العمليات التنفيذية، يليها تقويم للنتائج. ويستمر التقويم بعد ذلك فيما يُسمى بالتقويم البعدي، الذي يتم بعد اكتمال البرنامج أو المشروع. ويستهدف التقويم البعدي التحقق من استمرارية تحقيق الأهداف وبقاء النتائج واستمرار أثرها. كما يستهدف تعرُّف مدى حاجة المستهدفين إلى برامج أو مشروعات أخرى، أو إلى تطوير كفاءتهم المهنية.
6. موضوعية: أي إجراء سلسلة عمليات التقويم، بدءاً من التخطيط للتقويم، وحتى اتخاذ القرار بصورة غير متحيزة. إن هذا من شأنه أن يساعد على تكوين صورة واقعية عن موضوع التقويم، والوقوف على نواحي القوة والقصور كما هي في الواقع. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الوصول إلى أحكام واتخاذ قرارات صادقة وصائبة.
7. علمية: تبدو علمية التقويم في استخدامه للقياس في التعبير الكمي عن الظواهر المدروسة. كما تبدو علمية في التزام القائمين عليه بالموضوعية في كل مراحله، بدءاً من التخطيط وحتى التنفيذ ومتابعة ما بعد التنفيذ. وتظهر علمية التقويم في استخدامه الدقيق للمصطلحات ضماناً لتوحيد الفكر بين القائمين عليه والمشتغلين به. وتتجلى علمية التقويم في أن تعميم نتائجه تكون قاصرة على الظاهرة موضع الدراسة، أو موضوع التقويم عينه. بالإضافة إلى ذلك فإن اتساق الحكم، أي أن يكون الحكم قائماً ومعتمداً على التفسير الدقيق للبيانات والمعلومات التي تم جمعها ـ يوضح منطقية عملية التقويم، إذ تكون نتائج التقويم (الأحكام) متسقة مع مقدماته (البيانات والأدلة التي تم جمعها). أضف إلى ذلك أن واقعية علمية التقويم إنما تُعبر عن خاصية الأمبيريقية التي تعتبر من خصائص العلم، فالمعلومات التي يتم جمعها تُستمد من الواقع، كما يمكن التحقق منها. وأخيراً فإن استخدام التقويم للأساليب الإحصائية الملائمة يُضيف إلى علميته رصيداً آخر ويزيده دقة.
8. شمولية: يُقصد بها جمع البيانات، بحيث تشمل جميع جوانب الظاهرة موضوع التقويم، فلا يقتصر الاهتمام على بعض جوانبه، تؤدي هذه الشمولية إلى تكامل المعلومات عن موضوع التقويم، مما ييسر الوصول إلى حكم دقيق واتخاذ قرار ملائم ذي صدقية.
9. إيجابية: لا يجري التقويم لذات التقويم (إلا إذا كان لأغراض بحثية فقط أُدخل في نطاق البحوث الأساسية)، بل يجري من أجل تحسين الواقع وتطويره. أي أن التقويم لا يكون نقداً سلبياً أو يقف عند حدود النقد فقط، بل يرتقي ليقدم معلومات تشخيصية وصادقة عن المكونات المختلفة لموضوع التقويم، على نحو يساعد على إصدار الأحكام والقرارات، من أجل التحسين والتطوير. إن هذا معناه أن التقويم يزود القائمين عليه والمهتمين بموضوعه بتغذية راجعة تفصيلية عن مسار العمل ودوافعه، والعوامل المحيطة به على نحو يساعد على إجراء التعديلات اللازمة تحقيقاً لأهداف البرنامج.
ومما يزيد من إيجابية التقويم مراعاته للضوابط الأخلاقية والقانونية المرتبطة بحقوق الإنسان في المنفعة والاحترام والعدالة، وأن تكون تقارير التقويم منفتحة ومباشرة وعادلة وحدود استخدام النتائج التي يتضمنها التقرير واضحة.
التقويم والقياس
للتمييز بين مفهومي التقويم والقياس، يُفضل البعض أن يقتصر التقويم على الحكم الكلي على الظاهرة. أما القياس فيعني الحكم التحليلي الذي يعتمد على استخدام الاختبارات وغيرها من المقاييس.
ويستخدم التقويم عادة معلومات وبيانات ذات طبيعة كمية وكيفية معاً، أما القياس فإنه يقوم على جمع البيانات بطريقة منظمة، والتعبير عنها بأسلوب كمي، وتنظيمها بطريقة تساعد على التوصل إلى نتيجة رقمية معينة. فلكي يصدر المدرس حكماً تقويمياً على التلميذ، فإنه يجمع بيانات عن تحصيله وعلاقاته بزملائه باستخدام الاختبارات والمقاييس المختلفة، وبملاحظاته له أثناء تفاعله مع زملائه. أما إذا أراد أن يقيس ذكاء التلميذ نفسه، فإنه يستخدم اختباراً ذا مواصفات معينة ويطبقه عليه متبعاً قواعد خاصة، ويصححه وفقاً لقوانين مرسومة، ثم يعطي للدرجة معنى باستخدام أسلوب معين.
وثمة فارق آخر بين القياس والتقويم من حيث الأهداف. فهدف القياس هو التعبير الكمي عن ظاهرة معينة باستخدام وحدة قياس ثابتة القيمة. أما التقويم فهدفه النهائي اتخاذ قرار مبني على حكم يوضح العلاقة بين الأهداف المتوقعة والنتائج المتحققة على أرض الواقع.
إن هذا ليس معناه الفصل التام بينهما، بل تأكيد حاجة التقويم إلى القياس لإعداد واختيار الأدوات الصادقة التي تساعد على الوقوف على آثار ونتائج المشروع أو البرنامج (موضوع التقويم).
فوائد التقويم والحاجة إليه
يدأب الإنسان في سعيه إلى تحقيق أهدافه الدينية والدنيوية، ويتوقف بين الحين والآخر ليراجع مدى ما حققه من أهداف. فإذا كان الله العلي القدير قد خلق الإنسان ليعبده، فإن ذلك الإنسان يتوقف عديداً من المرات ليتساءل هل أعبد الله حق عبادته؟ هل أعبده كما ينبغي أن تكون العبادة الصادقة المخلصة؟ مثل هذه الأسئلة ما هو إلا مدخل إلى تقويم الإنسان لتصرفاته تجاه عبادته لخالقه.
وينطبق المفهوم عينه على أهداف الإنسان الدنيوية. إنه لا يكاد يتوقف عن التقويم، وإعطاء قيمة لما يدركه ويعايشه ويخبره. فيتساءل حول ما يتعلق به شخصياً، أي يمارس تقويماً متمركزاً حول الذات. أي يقَوِّم ويحكم على الأشياء والأشخاص وغيرها بمقدار ما ترتبط بذاته. ويضع في تقويمه وأحكامه اعتبارات المنفعة أو الألفة أو الفائدة أو المكانة أو المركز الاجتماعي أو نقصان تهديد الذات أو سهولة الفهم والإدراك.
ولا يقتصر الأمر على الأفراد، بل يتعداهم إلى المؤسسات. لذلك ظهرت مصطلحات مثل الجودة الشاملة، والاعتماد، والمحاسبية. ويُستخدم تقويم المؤسسات في الوقوف على مقدار نجاح المؤسسات في تحقيق أهدافها، وذلك بمقارنة الأهداف بالنتائج التي حققها. ويؤدي الوقوف على درجة نجاح المؤسسات إلى اتخاذ عدة قرارات لدعم بعض الإجراءات، أو تغيير بعضها الآخر.
إذا كان التقويم ضرورياً للحكم على مدى نجاح الأفراد والمؤسسات في تحقيقها لأهدافها، فهو أكثر ضرورة لعلاج المشكلات. فمع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، تظهر مشكلات متعددة المجالات. يتطلب التصدي لها إجراء دراسة تقويمية للمشكلة ومداها وتطورها وأسبابها، تمهيداً لوضع خطة لإصلاحها. من هنا يُعرف التقويم بأنه جملة من الإجراءات العملية التي تستهدف تقدير ما يُبذل من جهود لتحقيق أهداف معينة في ضوء ما اتُفق عليه من (معايير)، وما وُضع من تخطيط مسبق، والحكم على مدى فاعلية هذه الجهود وما يصادفها من عقبات وصعوبات في التنفيذ؛ بقصد تحسين الأداء ورفع درجة الكفاءة الإنتاجية، بما يساعد على تحقيق الأهداف.
وتظهر الحاجة إلى التقويم أو فائدته، في دوره الذي يؤديه لفهم وتفسير الظواهر. فتقويم مدير المصنع لغياب العمال يساعده على تفسير أسباب ذلك الغياب، تمهيداً لوضع خطة للإصلاح. وتقويم منهج دراسي يساعد على فهم الصعوبات التي يعانيها التلاميذ، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات الملائمة. إن زيادة فهم وتفسير الظواهر تُضيف إلى رصيد العلم وزيادة المعرفة. فلقد أدت الدراسات التقويمية للمناهج الدراسية إلى زيادة فهم المتخصصين لأساليب تنفيذها وتطويرها. بل أدت الدراسات التقويمية لفاعلية الأدوية إلى زيادة فهم أسباب الفاعلية ومعوقاتها، واستطراداً كيفية تطوير أدوية جديدة أكثر فاعلية وأقل ضرراً.
وتظهر الحاجة إلى التقويم في دوره في إبراز التغيرات وآثارها، وتحديد العوامل المسهمة فيها. فإذا قيس سلوك معين قبل تطبيق برنامج ما (أو حدوث أي نوع من التدخل)، ثم قيس السلوك نفسه بعد نهاية التدخل، فإن الفرق يظهر التغير الحادث بينهما، ويظهر التقويم درجة صلاحية هذا التغير والعوامل التي أسهمت فيه، سواء بالتيسير أو الإعاقة.
إن التغيرات التي تطرأ على السلوك قد ترجع إلى عوامل أخرى مرتبطة بالارتقاء النمائي. وبالتقويم يمكن الوقوف على مدى هذا الارتقاء ودرجة النمو وسلامته، والعوامل التي أسهمت في تيسير ذلك النمو أو إعاقته.
القرارات والأنشطة المتضمنة في مراحل التقويم
الأنشطة
أنماط القرارات
وقت التنفيذ
المرحلة
· تحليل الموقف.
· تحديد الأهداف.
· تحديد المكونات المراد تقييمها.
· تحديد المتطلبات: الإدارية، والمالية، والبشرية (فرق العمل)، والفنية.
· تحديد نوع المعلومات المراد جمعها ومصادرها ووسائلها.
· اختيار التصميم.
· إعداد جدول زمني لتنفيذ عملية التقويم.
· الغرض من التقويم.
· المسارات التي تُتبع لتنفيذ التقويم.
قبل إجراء التقويم الميداني أو الفعلي
التخطيط
· تطبيق الاختبارات القبلية.
· تطبيق اختبارات السلوك المدخلي.
· تقدير ملاءمة الأهداف.
· جمع البيانات دورياً.
· تحليل فاعلية الإستراتيجيات المستخدمة في تحقيق الأهداف.
· مدى التنفيذ وفقاً للخطة وصلاحيته.
· التغيرات المطلوبة لتحقيق التحسن.
أثناء التنفيذ
العملية (تقويم مبدئي، وتقويم تكويني)
· جمع البيانات التي تلائم الأهداف.
· جمع البيانات التي تتعلق بالنتائج غير المتوقعة.
· تحليل البيانات وتفسيرها.
· كتابة التقرير وإرساله للمعنيين ونشره.
· الفاعلية العامة للمشروع أو البرنامج موضوع التقويم.
· المسارات المستقبلية للعمل.
بعد التنفيذ
النتائج أو المخرجات (تقويم تجميعي)
· مراجعة خطوات التقويم لتقدير درجة سلامتها وصحتها.
· جمع بيانات عن آثار ونتائج التقويم.
· معالجة البيانات وتخزينها.
· صلاحية التقويم (تقويم التقويم).
· متابعة نتائج التقويم.
· تأسيس قاعدة بيانات.
بعد نشر التقرير.
المتابعة (ما بعد التقويم)
أدوات التقويم
يستخدم التقويم أدوات متعددة، إلا أن درجة صلاحية وملاءمة كل أداة تختلف بناءً على عدة عوامل:
1. وحدة التقويم: هل التقويم لأفراد أم جماعات أم مؤسسات؟
2. مجال التقويم: مثلاً تختلف أدوات التقويم الرياضي عن أدوات تقويم التحصيل الأكاديمي النظري، عن الأدوات اللازمة لتقويم الإنتاج السلعي أو الإنتاج غير السلعي.
3. مكونات التقويم وعناصره داخل كل مجال: فمكونات التقويم التربوي هي التلميذ والمدرس والعاملون والمناهج والروح المعنوية بين العاملين. أما مكونات التقويم في المجال الطبي فهي الأطباء وجهاز التمريض والجهاز الإداري، ونوع التخصص الطبي وغيرها.
على الرغم من هذا الاختلاف، فإن هناك أدوات شائعة الاستخدام، منها الاختبارات النفسية بأنواعها المختلفة، وقواعد البيانات التقويمية السابقة، ووحدات الإنتاج، وعينات العمل، والملاحظة، والمقابلات المقننة وغير المقننة، والبورتفوليو، وتقييم الأقران، وتقييم المستهلكين، وتقديرات المشرفين والرؤساء، والاستفتاءات، والاستبيانات وغير ذلك.
ويُشترط في أدوات التقويم بصفة عامة، أن:
· توفر بيانات تُعطي صورة شاملة ودقيقة عن موضوع التقويم.
· تكون قانونية وتتفق مع المعايير الأخلاقية.
· تكون نفقاتها في نطاق إمكانية المؤسسة.
· توفر البيانات اللازمة دون إعاقة لسير العمل.
· ارتباطها بأهداف التقويم، وبأهداف موضوع التقويم عينه.
· تحقق الموضوعية في عملية التقويم.
· يتوافر فيها الصدق في قياس ما تُستخدم في قياسه.
· لا تحتاج إلى زمن طويل لتطبيقها.
· ملاءمتها للمجال الذي ينتمي إليه موضوع التقويم (فالمقاييس الأنثروبومترية ملائمة للمجال الرياضي، والاختبارات التحصيلية ملائمة للمجال الأكاديمي).
· تستوفي كل أداة الشروط العلمية والسيكومترية الخاصة بها.