...
إن حياة الإنسان في تقلب مستمر وتغير دائم، فلا تمضي حياته على وتيرة واحدة، أو على نمط واحد. فالإنسان يشعر بالحب أحياناً وبالكره أحياناً أخرى، ويشعر بالأمن والطمأنينة أحياناً وبالخوف والذعر أحياناً أخرى. إننا نعيش انفعالات متعددة، بعضها عنيف قوي كالصاعقة، ينفجر فجأة دون سابق إنذار، وبعضها يبدأ غامضاً ثم يتضخم ويتشعب. ولهذه الانفعالات أثر كبير في حياتنا، فهي التي تحدد نوع الحياة ولونها زاهياً براقاً أو حزيناً كئيباً.
وللانفعال قيمة كبيرة في تفاعلاتنا الاجتماعية، فكما تساعدنا على فهم الآخرين، وبالتالي التعامل معهم، تساعد الآخرين على أن يدركوا ويفهموا ما نرمي إليه وما نريد التعبير عنه. وتزيد الانفعالات من الشحنة الوجدانية التي تساعد الفرد على مواجهة المواقف والتفاعل معها، وعلى دفعه إلى العمل.
إذا كان للانفعال آثاره الإيجابية، فإن له كذلك آثاره السلبية، إذ تؤثر بعض الانفعالات، كالغضب، في تفكير الفرد فتعوقه عن مواصلته بشكل سليم، بل تؤثر في قدرة الشخص على النقد الحصيف والفحص المدقق عن الأمور، مما لا يساعده على إصدار أحكام سليمة. وللانفعالات إسهامها في إصابة الأفراد ببعض الأمراض والاضطرابات الجسمية ذات المنشأ النفسي، مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم.
تعريف الانفعال
للانفعالات تعريفات متعددة، منها:
1. الانفعالات حالات وجدانية مركبة تكون مصحوبة باضطرابات عضوية بارزة، تشمل جميع أجهزة الجسم العضلي والدموي والتنفسي والغددي والحشوي.
2. اضطراب حاد يشمل الفرد كله، ويؤثر في سلوكه وخبرته الشعورية ووظائفه الفسيولوجية، وهو ينشأ في الأصل عن مصدر نفسي.
3. حالة من الاهتياج العام تفصح عن نفسها في شعور الفرد وجسمه وسلوكه، ولها القدرة على حفزه إلى النشاط.
4. حالة عامة تؤثر في جميع أوجه النشاط التي يقوم بها الكائن الحي، سواء كانت أوجه نشاط نفسية أو فسيولوجية. بعبارة أدق هي حالة عدم اتزان نفسي وفسيولوجي تدفع الكائن الحي إلى السلوك.
من التعريفات السابقة تتضح بعض خصائص الانفعالات، ومنها:
1. يتألف الانفعال من جوانب ثلاثة، هي جانب شعور ذاتي، وجانب خارجي ظاهر، وجانب فسيولوجي داخلي. والجانب الشعوري يخبره الشخص المنفعل وحده، ويختلف من انفعال إلى آخر تبعاً لنوع الانفعال، ويُستدل على هذا الجانب من طريق التقرير اللفظي الذي يُدلي به الشخص المنفعل.
أما الجانب الخارجي الظاهر، فيشتمل على مختلف التعبيرات والحركات والأوضاع والألفاظ والإيماءات التي تصدر عن الشخص المنفعل، مثل الابتسام، والصراخ، والتنهد، والعبوس، والبكاء، والأنين. وهذا هو الجانب الذي نحكم منه في العادة على نوع الانفعال عند الآخرين.
أما الجانب الفسيولوجي، فيشمل التغيرات الداخلية في دقات القلب والدورة الدموية والتنفس والهضم والإفرازات الغدية. الجوانب الثلاث السابقة توضح كيف أن الانفعال يكون عاماً يشمل الفرد كله.
2. الانفعال حالة وجدانية بارزة لأنه يعقب حالة من السكون تكون فيها الحركات منتظمة والملامح متجانسة والتفكير هادئاً. وهو دليل على أن التوافق الذي كان محققاً بين الكائن الحي وبيئته قد هدد واضطرب وفقد، وذلك لعجز الأفعال الآلية عن مواجهة ما يعتري الموقف الراهن من تغير فجائي أو من صعوبة غير متوقعة. وكذلك عجز التفكير عن إيجاد حل سريع، لا يمكن إرجاؤه، نظراً إلى مطالب الموقف الملحة. وللانفعال صلة وثيقة باللذة والألم، وما من انفعال إلا ويكون مصحوباً بلذة أو ألم، ماديين كانا أم معنويين.
3. ينشأ الانفعال عن مصدر نفسي لأن الكائن الحي يدرك المثير الذي يتعرض له، أي يعطي معنى للإحساسات التي يستقبلها جهازه العصبي. وعندما يدرك الفرد المثير الذي يتعرض له يصدر حكماً عليه، إن كان مثيراً ساراً أو غير سار، مفيداً أو ضاراً. ويكون إصدار الفرد لهذا الحكم متأثراً بالخبرات السابقة التي تعرض لها في حياته.
4. الانفعال حالة وجدانية مركبة، لأنه يتكون من عدة مكونات هي: إدراك الموقف الانفعالي، والتغيرات الفسيولوجية الداخلية، والتغيرات البدنية الخارجية، والخبرة الشعورية، والتوافق مع الموقف الانفعالي.
مكونات الانفعال ومراحله
1. إدراك الموقف الانفعالي
عندما نواجه مثيراً ما، فإن حواسنا تنقل إلى العقل إشارات خاصة بهذا المثير، ويقوم العقل بترجمة هذه الإشارات وإعطائها معنى معيناً، أي يدرك المثير الذي أمامه، أو الذي يتعرض له.
ويتحدد إدراك الفرد للمثير الانفعالي بناءً على خبرة الشخص. فالظلام قد يخيف بعض الأفراد، بينما لا يخيف البعض الآخر وذلك بناءً على خبرات كل منهما السابقة والمتعلقة بمواقف إثارة الخوف. إن هذا يفسر اختلاف استجابات الأفراد للمواقف المثيرة للانفعال.
2. التغيرات الفسيولوجية الداخلية
عندما يواجه الفرد مثيراً مخيفاً أو باعثاً على الغضب، تزداد سرعة دقات القلب وشدتها، ويصحبها ازدياد في كميات الدم التي يوجهها القلب إلى أجزاء البدن. كما يقل إفراز العصارة المعدية، وتتوقف عملية الهضم، وحركة الأمعاء، ويزداد نشاط الغدد العرقية، ويقل نشاط الغدد اللعابية.
3. التغيرات البدنية الخارجية
يحدث أثناء الانفعال تغير في ملامح الوجه، كالابتسام والضحك في حالة الفرح، وتقطيب الجبهة في حالة الغضب. كذلك تتغير هيئة البدن مثل تصلب القدمين أو شدة قبض الكفين أثناء الخوف. كما يحدث تغير واضح في نبرة الصوت، ففي حالة الغضب يزداد التوتر وتزداد حدة الصوت وارتفاعه.
4. الخبرة الشعورية
عند الانفعال يدرك الفرد حالته الانفعالية كالخوف والغضب والحب، وغير ذلك. ويكون لإدراك الفرد للموقف المثير وللتغيرات الفسيولوجية الداخلية أثرها في تكوين الشعور الانفعالي أو الخبرة الشعورية المكونة للانفعال.
والخبرة الشعورية أمر ذاتي خاص بالفرد، ولا يشترك فيه مع غيره عند مواجهة الموقف المثير، نظراً إلى اختلاف خبرات الأفراد السابقة واختلاف إدراكاتهم للمواقف والمعاني التي يصبغونها عليها.
5. التوافق مع الموقف الانفعالي
يُقصد بالتوافق مع الموقف الانفعالي الاستجابة التي يقوم بها الفرد لمواجهة المثير الانفعالي، والتي من شأنها أن تُعيد للفرد اتزانه فيتلاشى توتره ويعود لهدوئه مرة أخرى، ويصبح قادراً على مزاولة نشاطه العادي.
قد تحدث عملية التوافق مباشرة، مثل الجري عند رؤية ثعبان، أو قد تستغرق زمناً طويلاً. ففي حالات المنافسة بين الطلاب يثور الغضب مدة طويلة فيفكر الفرد في طريقه للتغلب على منافسه، فإذا نجح في ذلك هدأ وارتاح.
تلك المكونات رأى عالم آخر اعتبارها مراحل يمر بها الفرد أثناء سلوكه الانفعالي، وهذه المراحل هي:
· مرحلة الإدراك: إدراك الموقف المثير للانفعال.
· مرحلة التقدير: إصدار الفرد حكماً على المثير إذا كان مثيراً للخوف أو السرور... إلخ.
· مرحلة الانفعال: نتيجة لإدراك الفرد للمثير وتقديره أو تقييمه له يتولد لديه ميل إلى الإقدام عليه أو الإحجام عنه.
· مرحلة التعبير: وفي هذه المرحلة تحدث التغيرات الفسيولوجية الداخلية التي تسهم وتهيئ الإنسان للعمل، بما يلائم طبيعة الموقف المثير للانفعال.
· مرحلة العمل: في هذه المرحلة يقوم الإنسان بالعمل الذي هيأته لاتخاذه تلك التغيرات الفسيولوجية مثل الهجوم أو الهرب أو الإقدام أو الابتسام أثناء السلام على الآخر.
الانفعال والعاطفة
يُقصد بالعاطفة أنها استعداد وجداني للشعور بتجربة وجدانية خاصة، وللقيام بسلوك معين إزاء شيء أو شخص أو جماعة أو فكرة. كما تُعرف كذلك بأنها استعداد وجداني مركب وتنظيم مكتسب لبعض الانفعالات نحو موقف معين، تدفع صاحبها إلى القيام بسلوك خاص، بمعنى أنه إذا تجمعت عدة انفعالات حول موضوع واحد فإنه ينتج من ذلك عاطفة معينة تدفع صاحبها إلى القيام بسلوك خاص بها تجاه هذا الموضوع.
وتنشأ العاطفة عن التجارب الانفعالية التي نمر بها وتولد فينا مشاعر معينة. وبتكرار هذه التجارب تتكون لدينا عادة وجدانية جديدة هي العاطفة.
مما سبق يتضح الفرق بين العاطفة والانفعال، فإذا كان الانفعال حالة عابرة طارئة، فإن العاطفة على درجة من الثبات النسبي. كذلك فإن الانفعال يكون استجابة معينة لموقف خاص، في حين أن العاطفة استعداد للقيام بنوع معين من الاستجابات وفقاً للحالة الشعورية الراهنة ولطبيعة الموقف الخارجي.
أما العلاقة بينهما، فالعاطفة مجموعة من الانفعالات المركبة التي تدور حول موضوع معين. وثمة وجه آخر للعلاقة بين العاطفة والانفعال، تتضح في أن لكل عاطفة انفعالاً يميزها، فعاطفة الحب انفعالها المميز هو الحنو، وعاطفة الكره انفعالها المميز هو البُغض. أما الوجه الثالث لتلك العلاقة فيتضح في إمكانية التنبؤ بسلوك الأفراد بناءً على العاطفة السائدة لديهم. فبناءً على عاطفة الأمومة يمكن التنبؤ بسلوك الأم تجاه طفلها حين يحيق به أذى. (عندما تستأثر عاطفة ما بجميع مشاعر الشخص وتخضعه لسلطانها تتحول إلى هوى Passion).
وأخيراً للعواطف والانفعالات أثر بالغ في توجيه سلوك الفرد وتفكيره، وفي عمليات الإدراك والتذكر، وفي تكوين المعتقدات. ولا تقل العواطف أثراً عن الانفعالات في الاتزان النفسي للفرد، فقد تكون لها آثارها الحسنة، كأن تدفع الفنانين والشعراء والأدباء إلى الإبداع والابتكار. وقد تكون لها آثارها الضارة بالجسم والنفس والعقل، كالخلط بين ما هو ممكن نظرياً وما يرجح وقوعه في المستقبل، بين الوهمي والحقيقي.
الانفعال والحالة المزاجية
المزاج Mood حالة انفعالية معتدلة نسبياً تغشى الفرد مدة من الزمن أو تعاوده بين حين وآخر، أي أنها حالة مؤقتة قد تصطبغ بالمرح أو الاكتئاب، بالسعادة أو الحزن، بالهدوء أو الاهتياج أو التجهم. إذا استثير الفرد في أثنائها انطلق الانفعال الغالب على الحالة عنيفاً. كما أنها تجذب الأفكار التي تجانسها، فالمكتئب تراوده أفكار الاكتئاب، والمهتاج يرحب بأفكار الاعتداء. موجز القول أن الحالة المزاجية أقل عنفاً وأطول بقاءً، وأقل شدة من الانفعال.
أدت الخصائص التي يتصف بها المزاج، والسابق الإشارة إليها، إلى توصل علماء النفس إلى دراسة المزاج Temperament باعتباره سمة من سمات الشخصية.
ويُقصد به أن هناك نمطاً انفعالياً يتسم بقدر كبير من الاستقرار والثبات، ويظهر في العديد من تصرفات الفرد وسلوكه. وتتضح تلك السمة في درجة تأثر الفرد بالمواقف التي تُثير الانفعال، ونوع الاستجابة الانفعالية، الحالة المزاجية الغالبة على الفرد.
الانفعال والدافعية
قد يصعب وضع حد فاصل بين الدافعية والانفعال، وذلك للآتي:
1. ينطوي أي دافع على شحنة انفعالية تقترن به، مثل اقتران دافع الاقتتال بانفعال الغضب، واقتران دافع الهرب بانفعال الخوف، واقتران الدافع الأمومي بانفعال الحنان.
2. ينفعل الإنسان إذا أدى مثير داخلي أو خارجي إلى إحباط إشباع دافع أو حاجة لدى الفرد. لذا فمن الممكن اعتبار كل انفعال دافعاً لأنه لا يعدو أن يكون حالة من التوتر الجسمي والنفسي، تنزع بالفرد إلى القيام بالسلوك اللازم لخفضه أو إزالته حتى يستعيد توازنه الذي اختل.
3. يقوم الانفعال والدافع بوظيفة دفع الكائن الحي إلى السلوك وتوجيهه. ومع هذا فإذا كان الدافع يوجه سلوك الفرد بصورة منتظمة تؤدي إلى إشباع هذا الدافع، فإن الانفعال لا يوجه سلوك الفرد بالصورة المنتظمة عينها ولا يؤدي إلى نتائج سليمة.
4. تحدد قوة الدافع ودرجة شدة الانفعال المصاحبة مستوى أداء الفرد. فانخفاض الدافع وضعف شدة الانفعال يؤديان إلى نقص في الأداء، وكلما تزايدت شدة الدافع وحدة الانفعال ازداد الأداء حتى مستوى معين، ليعود ويتدهور بعدها.
5. توجد عدة أسس يمكن استخدامها للتمييز بين الانفعال والدافع:
· تُستثار الانفعالات غالباً بواسطة مثيرات خارجية، في حين تُستثار الدوافع غالباً بواسطة منبهات داخلية.
· عندما نتحدث عن الانفعالات يتركز اهتمامنا في الخبرات الذاتية والوجدانية المصاحبة للسلوك. في حين أنه عندما نتحدث عن الدافعية، نركز اهتمامنا عادة في النشاط الموجه نحو الهدف.
الانفعالات في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة
ورد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة وصف دقيق لكثير من الانفعالات التي يشعر بها الإنسان، منها:
1. الخوف
قال ـ تعالى ـ: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[ (سورة الحج: الآيتان1 و2).
وقال ـ تعالى ـ: ]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[ (سورة فصلت: الآية 30)
قال رسول الله r توضيحاً للخوف من الله ـ العلي القدير ـ: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع".
2. الحب
قال ـ تعالى ـ: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ (سورة الحجرات: الآية 10).
وقال ـ تعالى ـ: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ[ (سورة التوبة: الآية 71).
وقال ـ تعالى ـ: ]وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ[ (سورة البقرة: الآية 165).
قال رسول الله r توضيحاً للخوف من الله ـ العلي القدير ـ: "أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله".
وقال r: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه".
3. الغضب
قال ـ تعالى ـ: ]وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 150).
وقال ـ تعالى ـ: ]هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ[1] إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[ (سورة آل عمران: الآية 119).
وقال رسول الله r: "لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان".
تضمن العرض السابق بعضاً من النماذج فقط، والتي توضح أن القرآن الكريم والسُّنة الشريفة تضمنا تفصيلاً لعديد من الانفعالات التي يخبرها الإنسان، مثل الفرح والكره والغيرة والحسد والندم والحياء والخزي وغيرها، كما تضمنا إشارة إلى التغيرات التي تطرأ على الإنسان أثناء الانفعال.
التحكم في الانفعالات والسيطرة عليها
1. التعبير عن الطاقة الانفعالية في الأعمال المفيدة: إن هذا المبدأ يتضمن التنفيس عن الانفعالات وطاقتها في أعمال مفيدة. فمن الممكن أن يقوم الفرد ببعض الأعمال المفيدة لكي يتخلص من الانفعال، مثلاً إذا مارس المنفعل بعض الألعاب الرياضية، وجد بذلك مخرجاًُ لطاقته الانفعالية، ومع تكرار هذا السلوك يُصبح عادة.
2. تحويل الانتباه أثناء الانفعال إلى أشياء أخرى: فالأم الحزينة على فقدان ابنها، يمكنها تحويل انتباهها إلى معاني الآيات القرآنية التي تقرأها وتهبها له. وحينما يقوم الإنسان بأعمال مفيدة، فإنها تساعده على التنفيس عن الطاقة الانفعالية، وعلى تحويل انتباهه إلى أشياء أخرى ليشغل نفسه بها.
3. تقديم المعلومات عن المثيرات التي تستثير الانفعال: فالأم الثكلى إذا عرفت أن موت ابنها لحكمة إلهية، وقُدمت لها المعلومات عن ذلك، ساعد هذا على إنقاص شدة الانفعال والتغلب على الاضطراب الذي يُصيبها.
4. إثارة استجابات معارضة للانفعال: فالخائف أثناء سيره في طريق مظلم بمفرده، يمكنه إزالة خوفه بالغناء أو الصفير، لأن الغناء أو الصفير يُدخل السرور على الفرد، مما يؤدي إلى إزالة الخوف بالتدريج. وإذا كنت تكره شخصاً ما، ابحث عن جوانب إيجابية لديه، مما يؤدي إلى إثارة استحسانك وإعجابك.
5. ممارسة الاسترخاء: لأن الانفعال يُحدث حالة عامة من التوتر في عضلات الجسم. فإذا تدرب الشخص على إحداث حالة من الاسترخاء، فإنها تخفض توتر عضلات الجسم من ناحية، وتُثير استجابة معارضة للتوتر، مما يؤدي إلى زوال الانفعال تدريجياً.
6. النظرة المرحة والإيجابية للموقف الانفعالي: فالنظرة الإيجابية تؤدي إلى تحويل الانتباه وتركيزه في كل ما هو إيجابي في الموقف. والنظرة المرحة تُثير الضحك والسخرية أو السرور، وبذلك ينخفض مستوى توتر الفرد ويزول الانفعال تدريجياً.
7. إذا كان الانفعال يؤثر في التفكير، فإن إصدار الأحكام في الموضوعات والأمور أثناء الانفعال يؤدي إلى الخطأ، مما يزيد من توتر الفرد. من هنا فإن على الفرد عدم الحسم أو إصدار الأحكام في أثناء الانفعال.
8. تجنب المواقف التي تُثير الانفعال: وهذا يستلزم أن يكون الفرد على وعي دقيق بتلك المواقف وخصائصها المثيرة.
9. التدرب على مواجهة المواقف الإحباطية: لأن هذا يزيد من قدرة الفرد على الصمود للشدائد والأزمات، دون إسراف في الانفعال.
10. الواقعية في التفكير وفي النظرة إلى مثيرات الانفعال: وتتحقق تلك الواقعية بالنظرة الموضوعية إلى المواقف ومثيرات الانفعال.
السيطرة على الانفعالات في القرآن الكريم
1. السيطرة على الخوف من الموت
بين القرآن الكريم أن الحياة الدنيا فانية، وأن الحياة الآخرة هي الباقية، وأن الموت ليس إلا انتقال من أولاهما إلى الثانية. ولذلك فإن المؤمن صادق الإيمان لا يخاف الموت.
قال ـ تعالى ـ: ]وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 32).
وقال ـ تعالى ـ: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[ (سورة آل عمران: الآية 185).
وقال ـ تعالى ـ: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[ (سورة الأنبياء: الآية 35).
2. السيطرة على الخوف من الفقر
أوصانا القرآن الكريم كذلك بعدم الخوف من الفقر، لأن الرزق بيد الله ـ سبحانه وتعالى ـ.
قال ـ تعالى ـ: ]إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[ (سورة الذاريات: الآية 58).
وقال ـ تعالى ـ: ]وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[ (سورة الذاريات: الآية 22).
3. السيطرة على الغضب
قال ـ تعالى ـ: ]ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ (سورة فصلت: الآية 34).
وقال ـ تعالى ـ: ]فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ[ (سورة الحجر: الآية 85).
وقال ـ تعالى ـ: ]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة المائدة: الآية 13).
4. السيطرة على الحزن
قال ـ تعالى ـ: ]مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[ (سورة الحديد: الآيتان 22 و23).
السيطرة على الانفعالات في السُّنة النبوية
قال رسول الله r، في:
1. السيطرة على الغضب
"لا تغضب".
"من كظم غيظاً، وهو قادر أن ينفذه، دعاه الله ـ سبحانه وتعالى ـ على رؤوس الخلائق، يوم القيامة، حتى يُخير من الحور العين ما شاء".
"إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس. فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع".
2. السيطرة على البغضاء والكراهية
"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. فمن هجر فوق ذلك، فمات، دخل النار".
3. السيطرة على الحسد
"لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وتدابروا. وكونوا، عباد الله، إخواناً".
4. السيطرة على الكبر
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
"إن الله أوحى إليَّ: أن تواضعوا؛ حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد".
5. السيطرة على الحزن
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن".
"ما من عبد تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله ـ تعالى ـ في مصيبته، وأخلف له خيراً منها".