[rtl]الهستيريا[/rtl]
[rtl] كان شاباً في الخامسة والعشرين من عمره، أحب زميلته في سنوات دراسة الجامعة، وتعاهدا على الزواج، ثم عمل في تجارة والده، بعد تخرجه مباشرة. وحينما أصبح يملك مبلغاً من المال يكفي لشراء الشبكة، طلب من والده أن يخطبها له، فرفض الأب لأنه يرغب في تزويجه من قريبته. وتحت إلحاح الابن، وافق الأب وخطب الفتاة، وحددوا يوم الشبكة والموعد، واتفقوا على الترتيبات. وفي اليوم المحدد، أعدّ أهل العروس الزينات، وذهبت العروس إلى محل تصفيف الشعر، وارتدى الشاب ثيابه وتهيأ لإحضار عروسه والذهاب معها إلى الحفل، ولكنه فوجئ بأعمامه وأخواله يمسكون به ويمنعونه من الخروج، فحاول أن يخلص نفسه منهم، ولكن دون جدوى، فاحتبس صوته وظل على ذلك عدة أيام، حتى أُحضر إلى الطبيب النفسي. [/rtl]
[rtl] وكثيراً ما نشاهد فتاة (أو سيدة) تسمع خبراً يصدمها، عاطفياً، فلا تتحمل الصدمة، وتسقط مغشياً عليها. وفتاة كانت تركب المترو في طريقها إلى بيتها، وإذا بالركاب يصبيهم الهرج والمرح ويتصايحون أن المترو يحترق، ويقفز بعضهم من النوافذ، ويتجه البعض صوب الأبواب في خوف عام، كل يود النجاة بحياته، إلاّ هذه الفتاة، فلقد أصابها الشلل في رجليها، فلم تعد قادرة على الحركة. [/rtl]
[rtl] وذلك الشاب، بطل فيلم الشموع السوداء، الذي أصابه العمى طيلة الفيلم، والذي صوّر مشهداً عاطفياً مثيراً بين خطيبته ورجل آخر؛ مما سبب له صدمة عاطفية، نتج منها العمى، الذي أصابه طيلة الفيلم. ويصف الشاعر هذا المشهد في قصيدته (لا تكذبي) بقوله: (إني رأيتكما معاً، ودَعِي البكاءَ فقد كرهت الأدمع، ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبة، فأنكر وادّعى، إني رأيتكما. إني سمعتكما. عيناك في عينيه، في شفتيه، في كفيه، في قدميه. ويداك ضارعتان، ترتعشان، من لهف عليه). [/rtl]
[rtl] وتلك السيدة، التي إذا احتد عليها زوجها في الكلام، استلقت على الأرض في حالة تشنتجات، ويعتقد من حولها أن عليها أسياد أو عفاريت، من معتقدات لا تتفق مع المنطق والدين والعلم. وسيدة أخرى عاقراً، تظهر عليها أعراض الحمل، وتظل تسعة أشهر تنتظر الولادة وتنتفخ بطنها، وفي موعد الولادة، تشعر آلاماً كآلام المخاض، ولكن يكتشف الطبيب المأساة، فهي ليست حامل حقيقة، ولكنه حملٌ كاذب. [/rtl]
[rtl] هذه الأمثلة جميعها لظاهرة نفسية واحدة، على الرغم من اختلاف الشكل الظاهري. وهذه الظاهرة هي ما يُطلق عليها الهستيريا Hysteria أو اضطراب التحول (Conversion Disorder). (ويتميز اضطراب الهستيريا اضطراب التحول أو عصاب الهستيريا)، بتغير أو فقد الوظيفة الجسمانية الناتج من صراع نفسي أو حاجة نفسية. وهذا الفقد أو التغير في الوظيفة، لا يفسره مرض طبي معروف، أو آلية باثوفسيولوجية. ومرضى هذا الاضطراب، لا يعون الأساس النفسي لأعراضهم، ولا يمكنهم التحكم فيها بإرادتهم. فالشاب الذي أصابه احتباس الصوت لم يكن به مرض في أحباله الصوتية، أو آفة في مركز الكلام بالمخ، ولكنه الصراع النفسي الشديد في تلك اللحظة، الذي تحول إلى احتباس الصوت (Aphonia) ، وفقدت لذلك وظيفة الكلام. والفتاة التي يغشى عليها عندما تسمع خبراً يصدم عواطفها، لم تصب بغيبوبة لمرض عضوي، ولكنها لم تحتمل الموقف، فكان الهروب اللاإرادي منه، وعدم مواجهته بالإغماء. وبطل فيلم الشموع السوداء، لم يحتمل المشهد الذي رآه، فتحول الصراع النفسي الشديد إلى عرض العمى، حلاً للموقف (حلاً هروبياً)، من دون وجود خلل عضوي يفسر حدوث العمى. وتلك السيدة، التي تتشنج، تحول، كذلك، صراعها إلى عرض جسماني هو التشنج. أمّا السيدة العاقر، فكان لديها حاجة نفسية شديدة، ورغبة ملحة، في أن تصبح حامل، وهذا ما تحقق لها، من حدوث الحمل الكاذب (Pseudocyesis)، في صورة تغيرات جسمانية تشبه الحمل. [/rtl]
[rtl] وأكثر أعراض اضطراب التحول وضوحاً وتقليدية، تلك التي توحي بمرض عصبي مثل الشلل واحتباس الصوت، ونوبات التشنج واضطراب التحكم الحركي والعمى والرؤية الأنبوبية (Tunnel Vision) وفقد حاسة الشم (Anosmia)، وخدر أو تنميل في جزء أو كل الجسم، ونادراً ما تحدث الأعراض التحولية في الجهاز العصبي المستقل أو جهاز الغدد الصم، فالقيء، كعرض تحولي، يمكن أن يمثل رفض وقرف، والحمل الكاذب (Pseudocyesis) يمكن أن يمثل رغبة في الحمل والخوف منه معاً. [/rtl]
[rtl]وتوجد آليتان لتفسير تكون تلك الأعراض في حالات الهستيريا: [/rtl]
[rtl]الأولى: المكسب الأولي (Primary Gain) [/rtl]
[rtl]حيث يحتفظ الشخص، بصراعه الداخلي، أو حاجته النفسية، بعيداً عن دائرة الوعي، ووجود علاقة مبدئية بين المثير البيئي الذي له علاقة بالصراع النفسي أو الحاجة النفسية وبدء أو تفاقم العرض (مثل الاستفزاز، الذي يحدث صراعاً داخلياً حول التعبير عن الغضب، فيعبّر هذا الصراع باحتباس الصوت، أو رؤية منظر صدمة يثير صراعاً يعبر عنه بالعمى الهستيري، وفي مثل هذه الحالات للعرض، دلالة رمزية، تمثل حل جزئي للصراع النفسي الكامن). [/rtl]
[rtl]الثانية: المكسب الثانوي (Secondary Gain) [/rtl]
[rtl]بتجنبه النشاط المزعج له، فضلاً عمّا يحصل عليه من مساندة وتعاطف وإشفاق من البيئة المحيطة، مثل الجندي الذي يصاب بالشلل، فيتجنب حمل السلاح، إضافة إلى ما يناله من إشفاق المحيطين واهتمامهم. والشخص ذو الميول الاعتمادية، قد يحدث له العمى، أو عدم القدرة على المشي أو الوقوف (Astasia -Abasia)، ليمنع مغادرة شريكه له، مع أن كل حركات الرجلين طبيعية. [/rtl]
[rtl] ويتميز اضطراب التحول بأنه، غالباً، عرض واحد خلال النوبة، ولكنه قد يتفاوت في المكان وطبيعته إذا وجدت نوبات تالية، وأن الأعراض تحدث فجأة في موقف ضاغط. ويصاحب العرض التحولي سمات الشخصية الهستيرية، وعدم المبالاة تجاه العرض، حتى أطلق على من لديها اضطراب التحول (الجميلة اللامبالية) (Labelle Indifference) ، وهذه العلامة ليست ذات قيمة تشخيصية عالية، لأنها قد توجد لدى بعض المرضى بمرض جسماني خطير. [/rtl]
[rtl] يبدأ الاضطراب، عادة، في المراهقة أو بداية الرشد أو منتصف العمر، أو حتى العقود الأخيرة من العمر، بداية مفاجئة، والمسار، عادة، قصير، والشفاء مفاجئ، كذلك. وأحياناً تتكرر النوبات ويصبح المسار مزمناً، فحوالي 25% من المرضى يحدث لهم أعراض تحولية أخرى خلال السنوات الخمس التالية. وبصفة عامة، يوجد عرض واحد خلال نوبة الاضطراب، وفي النوبات التالية إمّا أن يكون العرض نفسه، وإمّا غيره. [/rtl]
[rtl] ولاضطراب التحول تأثير ملحوظ على الأنشطة الحياتية، وكثيراً ما يعوقها. كما أن الفقد الطويل لوظيفة قد ينتج عنه مضاعفات حقيقية وخطيرة، مثل تقوسات في الأطراف، أو ضمور العضلات المشلولة، لإهمالها وعدم استعمالها (Disuse Atrophy)، خاصة عندما يرتبط بشخصية معتمدة مضطربة، فإن العرض التحولي يشجع على نمو الدور المرضي المزمن (Chronic Sick Role)؛ وقد يحدث تشوه أو عجز، بصورة ما، من جراء الأساليب التشخيصية غير اللازمة. [/rtl]
[rtl] ولقد كان (فرويد) وصديقه (بروير)، الطبيبان النمساويان، هما أول من وصف الديناميات النفسية في حالات الهستيريا. إذ نشرا أبحاثاً بعنوان "دراسات عن الهستيريا"، في عام 1895، وذلك بعد معرفتهما لأعراضها من خلال معالجة الفتاه (أنا) (Anna O).، التي كانت تعاني الشلل والغثيان وفقدان الذاكرة واضطراب الرؤية واحتباس الصوت، وكانت تلك الأعراض تختفي أثناء التنويم بتأثير الإيحاء، ثم بعد ذلك، بتأثير التداعي الحر للذكريات (Free Association)، أثناء جلسات العلاج النفسي، الذي ابتكره (فرويد) بديلاً من التنويم المغناطيسي (Hypnosis).[/rtl]
[rtl]ويلزم تمييز الهستيريا (اضطراب التحول) عن الأمراض التالية: [/rtl]
- بعض الأمراض الجسمانية ذات الأعراض الغامضة والمتعددة، مثل التصلب المتناثر (Multiple Sclerosis) ، وهو مرض يصيب النخاع الشوكي أو المخ، ويحدث شللاً متناثراً، وغير مستقر، في مكان واحد، وكثيراً ما يخطأ ويشخص على أنه هستيريا. أو مرض الذئبة الحمراء الجهازي(Systematic Lupus Erythematosus)، خاصة في المراحل المبكرة من مساره، فيخطأ في تشخيصه على أنه اضطراب تحول. يتم تشخيص اضطراب التحول، إذا كانت الأعراض لا تتفق مع مرض جسدي معروف، مثل الشكاوى التي يتضح أنها غير متسقة مع التوزيع التشريحي للجهاز العصبي، أو وظيفة حركية جيدة لجزء من الجسم مفترض أنه مشلول، أو عمى هستيري لدى شخص، وعلى الرغم من ذلك، توجد استجابات سوية لإنسان العين (Pupil). كما أن زوال الأعراض خلال الإيحاء أو التنويم المعناطيسي أو الحقن بالصوديوم أموباربيتال (Amobarbital) ، يوحي بتشخيص اضطراب التحول.
- الأمراض الجسمانية التي تلعب فيها العوامل النفسية دوراً مهماً، مثل القولون المتصلب (Spastic Colon)، وهو اضطراب القولون الذي يحدث فيه تقلصات القولون وانتفاخه مع آلام، وتكون الغازات وشعور بعدم الراحة في البطن. أو الأزمة الربوية(الشعبية) (Bronchial Asthma)، وهي نوبات ناتجة من ضيق الشعيبات الهوائية بالرئتين، فتحدث شعوراً بالاختناق، فينهج المريض، ويشعر بصعوبة التنفس، ويزرق لونه، مع تزييق بالصدر، وهو صوت يحدث لصعوبة دخول الهواء عبر الشعب الهوائية. هذه الحالات لا يجب تشخيصها اضطراب تحول، لأن لها آليات مرضية محددة، أو آليات باثوفسيولوجية مسؤولة عن الاضطراب.
- اضطراب التجسيد، ونادراً الفصام: ففي اضطراب التجسيد، تكون الأعراض كثيرة ومنتشرة في أجهزة الجسم، خلافاً للهستيريا التي غالباً ما تكون عرضاً واحداً درامياً. وفي الفصام العقلي تكون الشكاوى الجسمانية غير محددة. ولا يشخص اضطراب التحول، عندما تعزى الأعراض لأيٍّ من هذين الاضطرابين.
- الاضطرابات الجنسية: نظراً لأنه يصعب تحديد ما إذا كان الارتخاء الجنسي (العنة)، مثلاً، لدى الرجال (أو البرود الجنسي لدى الإناث وهو عدم الاستجابة بالإثارة الجنسية)، يمثل تفاعلاً فسيولوجياً للقلق أو أنه تعبير مباشر عن الحاجة النفسية أو الصراع النفسي، إضافة إلى وضع كل الاضطرابات الجنسية معاً في مجموعة، فإن الأعراض التحولية المتضمنة اختلالاً في الوظيفة الجنسية، لا تشخص على أنها اضطراب تحول.
- الألم الجسدي الشكل[1]: يمكن أن يفهم على أنه عرض تحولي، ولكن، نظراً لاختلاف المسار والعلاج ونتائجه فإنه يوضع كاضطراب منفصل (اُنظر الألم).
- توهم المرض: إذ توجد أعراض (شكاوى) جسمانية، ولكن لا يوجد فقد أو تشوه فعلي لوظائف الجسم.
- اضطراب استحداث أعراض جسمانية (Factitious Disorder): تحدث الأعراض فيه عن قصد، ويصعب أن تميز نوبات صرعية هستيرية من أخرى مستحدثة.
- إدعاء الأعراض: الذي يكون عن قصد، ولتحقيق هدف واضح.
[1] الألم هو الإحساس السيئ، المصاحب بانفعال مزعج، والناشئ عن تلف أصاب أنسجة الجسم، سواء كان هذا التلف حقيقي أو مدرك من قبل الشخص. ويهدف الألم إلى حماية جسم الإنسان بتحذيره من المثيرات التي قد تدمر أنسجته، ولذا، تزيد مستقبلات الألم السطحي التي تنتشر في الجلد، لأنه الدرع الواقي لأنسجة الجسم من الأذى، ليس بسبب مكانته أو صلابته، ولكن لكثرة المستقبلات فيه، سواء كانت للحرارة أو الرطوبة أو اللمس أو للألم، بصفة خاصة. إذ أن النهايات العادية للأعصاب، والمنتشرة بين خلاياه، (أي الجلد) لحمايته بتنبيه الإنسان للابتعاد عن المثير وإنقاذ جسمه. وهناك نوعان من الألياف العصبية المتخصصة في نقل الإحساس بالألم، أحدهـما ألياف صغيرة مغطاة بالميلين ( myelinated) ، وهي سريعة جداً فd نقل الإثارة المؤلمة، إذ تنقلها بسرعة تتراوح بين اثنتي عشر مترا وثلاثون متراً في الثانية الواحدة، وهو أسرع معدل للنقل العصبي في الجسم. وثاني النوعين ألياف غير مغطاة بالميلين، وهى بطيئة جداً، مقارنة بالنوع الأول، إذ أن سرعتها من نصف متر إلى متربين في الثانية الواحدة، وحين يطعن شخص ما بآلة حادة، فإنه يحس بألم حاد شديد ومحدد الموضع في نفس لحظة الطعن، وهذا ما تنقله الألياف العصبية سريعة النقل، ثم يعقبه نوع آخر من الألم غير محدد الموضع وشديد ومنتشر وغير مريح، وهو ما تنقله الألياف البطيئة، وكأن الألم الأول هو صرخة الجزء المصاب من أنسجة الجسم، بينما الألم المنتشر الذي يليه هو صرخة الأنسجة المجاورة للجزء المصاب.