[rtl]مراحل نمو الإنسان والصداقة [/rtl]
[rtl] وعلاقتنا بالآخر تمر بمراحل مختلفة، تبدأ من السنة الأولى من عمر الطفل، حينما يرتبط في علاقة بالآخر، وهو الأم، أو من ينوب عنها، فإذا كانت الأم طيبة، تخف إليه عندما يبكى لتطعمه، أو تهدئ من روعه، أو تغير له ملابسه المبللة، فإن هذا يرسخ لديه الشعور بالثقة بالآخر، والاطمئنان إلى وجود هذا الآخر، وأنه (أي الآخر)، سيشبع احتياجات الطفل المختلفة. وعندما تترسخ الثقة بالآخر، بمثل هذا الشكل، فإن هذا الطفل سوف يكون قادراً، في المستقبل، على إقامة علاقات مع الآخرين، وعلى الثقة بهم. ولكن الإشباع الزائد للاحتياجات، في تلك المرحلة، قد يجعل الطفل اعتمادياً على الآخرين، بدرجة كبيرة، ويثق بالآخر حتى عندما يجب اتخاذ الحذر والحيطة. [/rtl]
[rtl] وإذا كانت الأم، أو من ينوب عنها، مهملة، لا تستجيب لبكاء الطفل، ولا تشبع احتياجاته، فإنه سيشك في مصداقية الآخر، وتهتز الثقة الأساسية بنفسه، فلا يكون قادراً، مستقبلاً، على إقامة علاقات ثقة بالآخرين، على الرغم من حاجته الشديدة للحب منهم، فإنه ينكر ذلك ويظهر القسوة والعنف في تعامله مع الآخرين، وقد يصل إلى البارانوية، والشك في الآخرين، والشعور بأنهم يضطهدونه، ويخططون لإيذائه. [/rtl]
[rtl] وعندما يصبح الطفل في العام الثاني من عمره، وتنمو عضلات المشي لديه، فإنه يخطو بعيداً عن أمه، في محاولة للشعور بأنه آخر مستقل. وهو في هذه المرحلة حساس لِمَا يقال عنه، وعنيد لتأكيد استقلاليته. وفي مرحلة الطفولة المبكرة، من ثلاثة إلى ستة أعوام، تكون الذاكرة قد تكونت لديه، إذ يكون للآخر صورة يستدعيها في مخيلته عند غياب هذا الآخر، فلا يكون غياب الآخر أبدياً كما كان في المراحل السابقة، إذ كان لا يحتمل غياب أمه، لأنه لا يتصور أنها ستعود. وعلى الرغم من علاقته بأطفال آخرين، في هذه المرحلة، إلاّ أن تركيزه ينصب على ما يحصل عليه من اهتمام الآخرين وإعجابهم به، وبما يأتيه من مبادرات. ولكن في نهاية هذه المرحلة، يقل تركيزه على نفسه، ويهتم بالآخرين، ويصبح له بعض الأصدقاء. وفي مرحلة الطفولة المتأخرة، من ستة أعوام إلى اثني عشر عاماً، يزيد اهتمامه بالآخرين، ويحرص على الاندماج في مجموعة من الأصدقاء، ويتعاون معهم من أجْل مصلحة الفريق الذي يعمل فيه. ويحزّ في نفسه، أن يكون وحيداً، ليس له أصدقاء، لأنه يحرص على القبول الاجتماعي من الآخرين. [/rtl]
[rtl] وفي مرحلة المراهقة، يعمل المراهق على تحرير نفسه من ارتباطه بوالديه، ليشعر بشخصيته المستقلة، فيرتبط بمجموعة الأصدقاء التي تعطيه مساندة معنوية، تدعمه وتؤكد له القبول من الآخرين كشخص متفرد، ولذا، فإنه يضحي من أجْل المجموعة، ويتحمل تبعات عضويته فيها. وحين يوجد مراهق بلا أصدقاء، فإنه يعاني من الشعور بالعزلة، وعدم القبول، والضيق والاكتئاب، ويسترسل في أحلام اليقظة، معوضاً العالم الواقعي بعالم آخر من صنع خياله. وقد يزيد الخيال وينأى المراهق عن الواقع إلى درجة اختلال فهم هذا الواقع، الأمر الذي يشوّه إدراكه للعالم الخارجي، فيوصف بالجنون، من قِبل المحيطين به. [/rtl]
[rtl] وفي مرحلة الألفة وتكوين الأسرة، إذ يكون الشخص قد تزوج وارتبط برباط اجتماعي مع آخر في علاقة حميمة، ونبذ حياة العزوبية إلى إطار الزواج، فيبدأ في صداقات أسرية لتناسب المرحلة الجديدة التي انتقل إليها. فهو لا يستطيع أن يقضي وقت فراغه مع أصدقائه غير المتزوجين، كما كان يفعل قبل الزواج، لأن ذلك لن يدع له وقتاً كافياً لحياته الجديدة، ولذا، نراه ينسحب من أصدقائه غير المتزوجين، ليقيم علاقات أخرى بديلة مع المتزوجين، الذين يشبهونه في مسؤوليتهم الأسرية، وغالباً ما يوجدون معاً في إطار أسرهم. ونظراً إلى المسؤولية المادية للأسرة، في هذه المرحلة، تكثر صداقات المنفعة، بحثاً عن أبواب الرزق للإنفاق على الأسرة، وبناء مستقبلها المادي، وليس عيباً أن تكون للصداقة منفعة مشتركة، إذا توافرت لها المقومات الأخرى، فذلك يقويها، بل إنه يعطي فرصة أوسع للوجود والتحاور معاً، ويوحد الآمال والطموحات المادية، فيقرّب بين الأصدقاء أكثر، خاصة إذا سادت روح التسامح والإخلاص. [/rtl]
[rtl] وفي المرحلة التالية، إذ كَبُر الأبناء، واستقلوا بحياتهم، أو أوشكوا على ذلك، نرى الشخص وقد جاوز الأربعين، أو أشرف على الخمسين من عمره، يبحث عن معنى جديد لوجوده في الحياة، فلقد كون الأسرة، وكبر الأبناء، وأصبح لكل فيهم شخصية مستقلة، وهنا، يعيش أزمة البحث عن أهداف جديدة تستحق أن يعيش من أجلها، فيما يعرف بأزمة منتصف العمر. وقد يكون حل الأزمة باختيار أصدقاء جدد، أو زوجة جديدة، أو تغيير نمط الحياة، أو إعادة اختيار العمل. وقد يتجه إلى الاندماج في نشاط مجتمعي يخدم المجتمع الأوسع، بعد أن كان مركزاً على رعاية أسرته، وهذا يجعله صديقاً لكثيرين ممن يشاركون أو يفيدون من هذا النشاط. وتكون صداقات هذه المرحلة، صداقات ناضجين، لا تشوبها انفعالات المراحل السابقة، كما تكون فيه المساندة للصديق وإعانته في عثراته، خاصة أن الشخص يملك الامكانيات التي تؤهله لذلك في هذه المرحلة. وتُعَدّ صداقة هذه المرحلة أنضج الصداقات وأمثلتها ما زالت تطل علينا من التاريخ، وأروعها ما كان بين سيدنا محمد -r- وأبي بكر الصديق -رضى الله عنه- إذ كانت صداقة فيها التضحية والحب والإيثار، مع وحدة الآمال والأهداف، ولخدمة المجتمع الإسلامي الوليد، آنئذٍ، ثم تدعمت بالمصاهرة بزواج النبي -r- من عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضى الله عنهما. [/rtl]
[rtl] ثم تأتي المرحلة الأخيرة من مراحل نمو الإنسان، بما فيها من شعور بالتكامل والرضى، مع حكمة ما فات من عمر الإنسان، فلا تضيف صداقات جديدة، إلا نادراً، إذ يقل سعي الإنسان في هذه المرحلة، وهذا يتيح له فرصة الوجود مع أحفاده، فتبدأ صداقة من نوع جديد، صداقة الجد المحدود الحركة، بالطفل المتطلع إلى المستقبل الدءوب الحركة، فينقل الخبرة وتراث الأجداد إلى الأحفاد، ليبدأوا رحلة مراحل جديدة في عالم متغير بصداقات جديدة. وفي صداقة الجد والأب القدوة للصغير، في كيفية التعامل مع أصدقائه. [/rtl]