في لــيْلةِ العِــيد..
عندما حلّتْ عليْنا ليلةُ العــيد ، كان الجميعُ يتأهّب للإحتفــاء بهذه المناسبة العظيمــة ، إلاّ نحنُ ، فقد كنّا ليلتها ننتظــر عودة الآباء من سُوق القــرية ، وننتطلّع بقليل من الصّـبر غنائمنا بعــد رحلتهم الطّويلة إلى هُنــاك ، أو هــذا ما كُنّا نعتقــدُه .
عــاد أبي مُحمّلا بكيس كبير من كِسْـوَةِ العـيد ، وكمْ كانتْ أعيُنُنا معلّقــة بما فيه من ملابس أشكالا وألوانا مُختلفـة ، وكمْ صُدِمْتُ عندما خاطبني أبي قائلا : هـذا كلّ ما وجدتُه لك ، بحثتُ طويلا لأجِــد لك لباسا مُناسبا ولكنْ للأســف...
كانتْ بدلة متواضعــة جدّا مُقارنة بغيرها ، ولا تناسب مقاسي على الإطــلاق ، بلْ كانتْ مُضحكـة بعض الشّيء ، فهي أشبه ما تكون بلبلس مُهــرّج..
شعــرتُ بكثير من الغيظ ، سيما أمام فرحــة أقراني.
كانتْ ليلة الشّك كما يُطلق عليْها ، لمْ أكنْ أستوعب هذا المعنى بمفهــومه الصّحيح ، وكلّ ماكان يدور في رأسي آنذاك هو ليلة الشّك خاصتِي ، فكيف السّبيل للحصول على بدلة العـيد ، والأَمَــرُّ منْ هـذا كيف سأجتاز هذه التلّة العظيمة ؟ وأنا لا أتصوّر قضاء هذا اليوم دون لباس جديد ؟..
مـرّت الدّقائق والساّعات متثاقلـة ، كنتُ أشعــر بضغط كبيريكادُ يُفجّـر رأسي ، حان وقتُ الإفطار ، ولمْ أشعـر برغبة في تناول الطّعام ، يبدُو أنّ أبناء عُمومتِي قد بدأوا يشعـرون بألمي الكبير ، دنا منّي أحدهم وهمس في أذني قائلا : العيد يوم واحــد فقط ، وقال آخــر ، قد يتأجّل العيد إلى بعــد الغد ، وعندها يمكن لأبيك أنّ يقتنيَ لك ماتُريده..
شعرتُ ببعض الإطمئنان ، وطلبتُ لي طعاما ، إلاّ أنّ أمّي الحــنون كانتْ في كلّ مرّة تُوقظ عليّ أوجاعي بقولها : مسكين "......... " قليل الحــظّ دائمًا..
وبينما نحنُ على تلك الحال ، دخلتْ عليْنا عمّتي ، كانتْ تسكن في الجــوار وهي غير بعيدة عنّا كثيرا ، دخلتْ وبين يديْها بدلة تخطف الأبصار وقالتْ : هذه بدلة ابْني " ......." وبمجــرّد أنْ رأيْتها علمت أنّها لاتُناسب مقاسه ، وفكّرتُ لِتوّي أنّها على قــدِّ ابن أخي "........" ، فخذوها له إنّ شئتم ..
لمْ أشعر وأنا أخطفها منها وبمجــرّد أنْ فتحتُها شعرتُ أنّها على مقاسي تماما ، وكم كانتْ رائعـة ، وكم كانتْ فرحتِي كبيرة عندما سمعتُ أمّي تقول : طبْعا سنأخذها له ، ثمّ أردفَتْ قائلة :إييييهْ قالُوا الصّـابرْ يْنالْ..
نمتُ تلك اللّيلة على غير العادة وأنا أحتضن الفــرحة وأتوسّــدُ السّـرور ، كنتُ أفيقُ بين الفيْنة والأخـرى لأتفقّــد حِمْلِيَ الثّمين ، وأحْيانا أشعـر ببعض الإنزعــاج من الحِنّاء التّي باتتْ تُلازمُني حتّى الصّـباح