أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ .. !!
كان الصحابة رضي الله عنهم أفقه الناس وأحرص الناس كانوا إذا سمعوا في كتاب الله يا أيها الذين آمنوا أرعوا سمعهم وأنصتوا فإنما هو أمر يأتمروا به أو نهي ينتهوا عنه فكانت لهم السيادة في الأرض والقبول عند رب الأرض والسماء والفوز بموعود الله الجنة
في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه على الأرض فقال: «يعمد أحدكم إلى جمر من جنهم، (أو قال: النار)، فيضعه في يده!» فلما قام رسول الله، قال الناس: خذ خاتمك إنتفع به، (انتفع به يعني بعهُ، صرّفه)، فقال: لا والله لا آخذه وقد طرحه رسول الله) .. ولما نزل قول الله تعالى ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92) سمع أبو طلحة الأنصاري هذه الآية وكان أكثر الأنصار بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ... فقام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول في كتابه: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال: (بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين). قال:أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) .
ويوم أن نزل أمر الله بتحريم الخمر وهم قوم يشربونها منذ عشرات السنين، حتى أصبح الخمر جزءاً من شرابهم اليومي الذي ألفوه لما سمعوا أمر الله ماذا كان موقفهم ؟ يقول أنس بن مالك : (كنت ساقي القوم وأنا صغير في دار أبي طلحة ،وإذا بمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : ألا إن الله ورسوله قد حرّما الخمر) والناس منهم من ملأ قدحه ليشرب ، ومنهم من رفع الشراب إلى فمه ، ومنهم من ملأ فمه من الخمر ... والجميع يسمع لهذا المنادي . فكيف يكون تصرفهم هل يقولون نشرب هذه الكأس ثم نمتثل ؟ أم يقولون نبلتع ما في أفواهنا ثم نطبق أمر الله ونترك الخمر؟ بل لما سمعوا قوله تعالى في آخر الآية التي حرمت الخمر: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(المائدة: من الآية91)قالوا جميعاً : (انتهينا يا رب ، انتهينا يا رب) .. فأخرج الناس ما عندهم من جرار الخمر وأراقوها في سكك وطرقات المدينة ) وصدق الله إذ يقول ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:18) ..
بل الأعجب من ذلك عندما حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام سمع الصحابة وهم في الصلاة أن القبلة قد حولت فماذا يفعولون ؟ يقول عَبْدُاللَّهِ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ( بَيْنما النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ) البخاري..إنهم لم ينتظروا حتى يكملوا الصلاة..ويتأكدوا من الخبر ..بل استداروا وهم ركوع في الصلاة خشية أن يقعوا في دائرة معصية الله ورسوله ..
قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا ليُسمع ويطاع ... فانظروا كم نحن مفرطون ومقصرون ولا سبيل للنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة إلا بحسن الإستماع وحسن العمل وسرعة التنفيذ لتوجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة طاعة لله ورسوله صل الله عليه وسلم .. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..