وأخرجه الترمذي، عن أبي كُرَيْب، عن عبد الله بن نُمَيْر، به. وقال:غريب من هذا الوجه. ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي عاصم، عن موسى بن عبيدة، به. وزاد في آخره: « وأعوذ بالله من حال أهل النار » .
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ( 115 ) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى ( 116 ) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ( 117 ) إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ( 118 ) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ( 119 ) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ( 120 ) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ( 121 ) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ( 122 )
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي. وكذا رواه علي بن أبي طلحة، عنه.
وقال مجاهد والحسن:تَرَكَ.
وقوله: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ ) يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه، وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلا.
وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة « البقرة » وفي « الأعراف » وفي « الحجر » و « الكهف » وسيأتي في آخر سورة « ص » [ إن شاء الله تعالى ] . يذكر فيها تعالى خَلْقَ آدم وأَمْرَه الملائكة بالسجود له تشريفًا وتكريمًا، ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديمًا؛ ولهذا قال تعالى: ( فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى ) أي:امتنع واستكبر. ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ) يعني:حواء، عليهما السلام ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) أي:إياك أن يسعى في إخراجك منها، فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك، فإنك هاهنا في عيش رغيد هنيء، لا كلفة ولا مشقة.
( إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى ) إنما قرن بين الجوع والعُرْي؛ لأن الجوع ذُلّ الباطن، والعري ذُلّ الظاهر .
( وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) وهذان أيضًا متقابلان، فالظمأ:حر الباطن، وهو العطش. والضحى:حر الظاهر.
وقوله: ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ) قد تقدم أنه فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ [ الأعراف:22 ] ؛ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [ الأعراف:21 ] . وقد تقدم أن الله تعالى أوحى إلى آدم وزوجته أن يأكلا من كل الثمار، ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة. فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها، وكانت شجرةَ الخلد - يعني:التي من أكل منها خلد ودام مكثه. وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد، فقال أبو داود الطيالسي:حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، ما يقطعها وهي شجرة الخلد » . ورواه الإمام أحمد. .
وقوله: ( فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) قال ابن أبي حاتم:
حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب، حدثنا علي بن عاصم، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس، كأنه نخلة سَحُوق. فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته. فلما نظر إلى عورته جعل يَشْتَد في الجنة، فأخذتْ شعرَه شجرة، فنازعها، فنادى الرحمن:يا آدم، منِّي تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال:يا رب، لا ولكن استحياء أرأيت إن تبت ورجعت، أعائدي إلى الجنة؟ قال:نعم فذلك قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ »
وهذا منقطع بين الحسن وأُبيّ بن كعب، فلم يسمعه منه، وفي رفعه نظر أيضًا.
وقوله: ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) قال مجاهد:يرقعان كهيئة الثوب. وكذا قال قتادة، والسدي.
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا جعفر، عن عون، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن المِنْهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) قال:ينـزعان ورق التين، فيجعلانه على سوآتهما .
وقوله: ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) قال البخاري:
حدثنا قتيبة، حدثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « حاجّ موسى آدم، فقال له:أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم:يا موسى، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني - أو:قدره الله عليّ قبل أن يخلقني - » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فحج آدم موسى » .
وهذا الحديث له طرق في الصحيحين، وغيرهما من المسانيد .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني أنس بن عياض، عن الحارث بن أبي ذُبَابَ، عن يزيد بن هرمز قال:سمعت أبا هريرة يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حَجَّ آدمُ وموسى عند ربهما، فحج آدم موسى، قال موسى:أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك؟ قال آدم:أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نَجِيًّا، فبكم وجدتَ الله كتب التوراة [ قبل أن أخلق ] قال موسى:بأربعين عامًا. قال آدم:فهل وجدتَ فيها ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) قال:نعم. قال:أفتلومني على أن عملتُ عملا كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فحج آدم موسى » .
قال الحارث:وحدثني عبد الرحمن بن هُرْمزُ بذلك، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ( 123 ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( 124 ) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ( 125 )
يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس:اهبطوا منها جميعًا، أي:من الجنة كلكم. وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ قال:آدم وذريته، وإبليس وذريته.
وقوله: ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ) قال أبو العالية:الأنبياء والرسل والبيان.
( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) قال ابن عباس:لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ) أي:خالف أمري، وما أنـزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) أي:في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره [ ضيق ] حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال:الشقاء.
وقال العوفي، عن ابن عباس: ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال:كل مال أعطيته عبدًا من عبادي، قل أو كثر، لا يتقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة. ويقال:إن قومًا ضُلالا أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين، فكانت معيشتهم ضنكا؛ [ و ] ذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفًا لهم معايشهم، من سوء ظنّهم بالله والتكذيب، فإذا كان العبد يكذب بالله، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك.
وقال الضحاك:هو العمل السيئ، والرزق الخبيث، وكذا قال عكرمة، ومالك بن دينار.
وقال سفيان بن عيينة، عن أبي حازم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد في قوله: ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال:يضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه فيه. قال أبو حاتم الرازي:النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة.
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) قال: « ضمة القبر » الموقوف أصح .
وقال ابن أبي حاتم أيضًا:حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح، عن ابن حُجَيْرة - اسمه عبد الرحمن - عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنـزلت هذه الآية: ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟ « قالوا:الله ورسوله أعلم. قال:عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس، ينفخون في جسمه، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون » . .
رفعه منكر جدًا.