لا للغلو والتطرّف..
يرتاح القلب لحماسة الشباب للجهاد والعلم والدعوة، ومقابل كل هذا يغيظ القلب لما نرى من مظاهر الدَّعَة والعجز والكسل والضعف والفتور، فهل نتفاءل بالانطلاقة المُفْرِطة، أم بالسكينة المفَرِّطة؟
لا للغلو والتطرّف إن القصد هو الاعتدال في السلوك، والتوازن في التفكير، والتوسط في كل الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط، وخير الأمور الوسط "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً". (البقرة/143).
ولا يظن أحد أن القصد خلاف السنة، أو أن الغلو زيادة في التقوى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنكر على من عزم على الغلو في الصيام أو القيام أو الانقطاع عن الشهوة، وأفهمهم أن التوسط هو الأتقى: "أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". (رواه البخاري ومسلم).
كما أنّه لن يستطيع امرؤ أن يتجاوز طبيعته البشرية إلى الطبيعة الملائكية، ولذلك لما ظن حنظلة مُلاعبته لأهله وضحكه معهم بعد أن كان في خشوع وبكاء في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، لما ظن هذا التبدل في الحال نوعا من النفاق، طمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "يا حنظلة! لو كنتم كما تكونون عندي لصافحَتكم الملائكة على فرشكم، يا حنظلة! ساعة وساعة". (رواه ابن ماجة).
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلِّق على صور الغلو في العبادة بقوله: "عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا". (رواه البخاري ومسلم).
وإلى ذلك أشار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلجة، والقصد القصد تبلغوا". (البخاري). يقول ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح الحديث: "وقاربوا أي لا تفرطوا، فتُجهدوا أنفسكم في العبادة؛ لئلا يُفضي بكم ذلك إلى الملل، فتتركوا العمل فتفرِّطوا".
وقد حذّرنا نبيُنا صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيّها الناس! إياكم والغلو في الدين؛ فإنّه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". (رواه ابن ماجة).