وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا..
في وصف دقيق لعباد الرحمن بسورة الفرقان "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
إنهم أولئك الذين عرفوا الله حق معرفته وعبدوه حق عبادته، ونتيجة لذلك استحقوا أن ينسبهم الله عز وجل إلى نفسه، فلم يقل عبيد بل عباد، والفرق بين الكلمتين كبير، وهم لم يصلوا الى درجة العباد إلا للأمرين الذين ذكرتهما قبل قليل.
كل بني البشر هم عبيد لله في هذه الأرض، المسلم والنصراني واليهودي والمجوسي وكذلك الملحد الذي لا يؤمن أساساً بوجود الخالق! العبيد يعاملهم الله في أمور أساسية حيوية بشكل متساو لا يظلم أحداً، وتعالى الله وتنزه عن الظلم.. تجده سبحانه وهو يرزق البر والفاجر والعاصي والمؤمن والملحد، لا يقطع الماء والهواء عن الذين يجحدونه ويكفرونه على سبيل المثال، وغيرهما من النعم كثير كثير، فالكل سواء، لكن في الحياة الأخرى، الأمور بالطبع ستتغير.
لكن مع ذلك، يكفي أن الله يسمي الذي يتقربون إليه ويعبدونه حق عبادته وقد اطمئنوا إليه سبحانه، عباد الرحمن، وهذا الوصف بمثابة جائزة دنيوية بل ربما بشرى لعاقبة طيبة وجزاء عظيم في الآخرة. لكن ما يهم هنا هو كيف وصل عباد الرحمن الى ما هم عليه لكي يمدحهم ويذكرهم الخالق في قرآن يُتلى الى يوم الدين؟
إنه الأمن والاستقرار الداخلي، الذي به يغنى المرء، وبه تعتدل صحته وبه أيضاً يحقق نجاحات مستمرة وبالتالي ترقيات ودرجات ومكافآت وغيرها، في الدنيا قبل الآخرة.. إنه الأمن الذي بسببه نعيش بسلام، وبالتالي نبدع وننتج ونفكر بشكل ايجابي. هو الذي نسميه بالسلام الداخلي أو الأمن الداخلي. هو الذي يدعو عباد الرحمن الى عدم الخوض في جدال عقيم ومراء لا يفيد.. "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
أدرك عباد الرحمن أن هذه الحياة ليست حالة ثابتة تجعلهم مستنفرين طوال حياتهم لأي أمر، يتقاتلون عليها ويتنافسون على مباهجها وجميل ما فيها، بل تراهم مدركين أن كل ما فيها من أحداث ووقائع لن تستمر وهي زائلة، وبالتالي أي قلق أو توترات بشأنها ستزول أيضاً، فعاشوا بسلام، منتظرين السلام من السلام سبحانه، ليدخلهم مستقر رحمته، الجنة وما أغلاها: "يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".