أي القلوب قلبك؟
يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد قسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوب إلى أربعة، كما صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه
ADVERTISEMENT
: "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما". فالأول قلب مضيء أجرد أي متجرد مما سوى الله عز وجل، يمشي صاحبه على نور من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} والثاني: قلب أغلف، وهو قلب الكافر، ومعنى أغلف: داخل في غلافه وغشائه فلا يصل إليه نور العلم والإيمان كما قال الله تعالى حاكيا عن اليهود: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}.
والثالث: قلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي.
والرابع: قلب تمده مادتان: مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما، وذلك لوقوع صاحبه في المعاصي، فلا تجعل قلبك متردداً بين طاعة الله ورسوله، وبين طاعة الشيطان والهوى.
فما يدريك لعل الحالة الأخرى هي التي يختم لك بها؟
إن القلب السليم {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، الذي نسعى للوصول إليه هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله و نهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره فلا يعترض على قول الله، فيسلم ذلك القلب من عبودية ما سوى الله، وتحكيم أحد غير رسول الله {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فلما كان القلب كذلك سلم في محبة الله في خوفه ورجاءه والتوكل عليه والذل إليه والتوسل بين يديه، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض لله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، فأصبحت حياته كلها لله.
والقلب الميت الذي نحاول قدر الإمكان الابتعاد عنه هو القلب الذي لا حياة فيه، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وبما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط الله وغضبه فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته أراض ربه عنه أم ساخط عليه، وهو القلب المتعبد لغير الله حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا وتعظيما وذلا إن أحب أحب لهواه وإن أبغض أبغض لهواه وإن أعطي أعطي لهواه وإن منع منع لهواه فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه فهو بالفكر في تحصي أموره الدنيوية مغمور وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد فلا يستجيب بل يستجيب للشيطان، فهو ذلك القلب الذي لا تؤلمه جراحات القبائح، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه. قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}.
لا والله، لا يستويان مثلا. وختاما، أناديك يا قلب بنداء الرحمن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} فهلا استجبت وخضعت لما يحييك؟.