السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نلتقي اليوم مع واحة الشعر والشعراء لنسلك فيها طريقا يختلف نوعا ما عن النمط السابق
ذلك أننا في المرّات السابقة قمنا ببسط وتسليط الضوء على شعراء يعرفهم العامُة والخاصّة
أما الآن فإننا نحاول بعون الله أن نتعرّف الى أبرز شعراء المغرب العربي الذين لا يعرف أغلب الأعضاء عنهم إلا أنهم شعراء وفقط
ولكنهم في الحقيقة من أباطرة الشعر في العصر الحديث وأقطابه وأقلُّ ما يُمكن أن نقدّمه لهذه المعالم أن نحاول الغوص في ما أبدعته سويا
[size=48]مُفدي زكريا[/size]
- مفدي زكريا بن سليمان الشيخ صالح البلد:الجزائر تاريخ ميلاده من:1908 تاريخ وفاته 1977 ميلادي - ولد في بني يزقن عام 1908 وتوفى عام 1977 - تابع دراسته في جامع الزيتونة وفي المدرسة الخلدونية بتونس - عمل في الصحافة والتعليم - صدر له من الدواوين الشعرية اللهب المقدس 1961 تحت ظلال الزيتون 1965 من وحي الأطلس1976
|
هذا عملاق الشعر الثوري في عصرنا الحديث مفدي زكريا رحمه الله صاحب القصائد التي ألهبت الثوار وأذكت لهيب الثورات وهو صاحب الإلياذة علاوة عن الأعمال التي ذُكرت أعلاه
والإلياذة هي قصيدة الألف بيت التي ضمّنها تاريخ الجزائر على مرّ العصور
وأغلب قصائد الشاعر كتبها بين قضبان السجون التي كان نزيلها الدّائم
إنّه شاعر لا يعترف بغير لغة الرشّاش والمدفع عنوانا للحريّة وطريقا اليها وهو في ذلك يجاري أفكار إخوانه الذين احتضنوا الثورة المباركة وقدّموا ما يربو عن المليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار لتحرير الأرض من وطأة المحتّل الذي جثم على الصدور لأكثر من قرن وربع القرن
نطق الرصاصُ فما يُباحُ كلامُ
وجرى القصاصُ فما يُتاحُ ملامُ
وقضى الزمان فلا مردّ لحكمه
وجرى القضاءُ وتمّت الأحكامُ
وسعتْ فرنسا للقيامة وانطوى
يوم النشور وجفّت الأقلامُ
والقابضون على البسيطة أفصحوا
والكونُ باح وقالت الأيامُ
وتعلّم المستعمرون شعوبها
أنّ التحكم في الشعوب حرامُ
هم حرّروا الميثاق هلاّ حرّروا
أمما تُساقُ حقارة وتُضامُ
السيف أصدق لهجة من أحرف
كُتبتْ فكان بيانها الإبهامُ
والنّارُ أصدقُ حجّة فاكتب بها
ما شئت تُصعق عندها الأحلامُ
إنّ الصحائف للصفائح أمرها
والحرب حرب والكلامُ كلامُ
عزُّ -المكاتب-في الحياة-كتائب-
زحفت كأنّ جنودها الأعلامُ
خيرُ المحافل في الزمان جحافل
رُفعت على وحداتها الأعلامُ
لغة القنابل في البيان فصيحة
وُضعتْ لمن في مسمعية صمامُ
ولوافحُ النيران خيرُ لوائح
رُفعت لمن في ناظريه رُكامُ
وروائحُ البارود مسكُ نوافح
سُجرتْ لمن في منخريه زُكامُ
والحقُ والرشاشُ إن نطقا معا
عنت الوجوهُ وخرّت الأصنامُ
بعد أحداث سطيف قالمة وخرّاطة بداية الأربعينيات من هذا القرن التي ذهب ضحيّتها قرابة الخمسين ألفا من أرواح الشهداء الذين قتلوا ظلما وعدوانا في مظاهرات غير حربية عصف بمدينة الأصنام زلزال عنيف سنة 1954 حصد آلاف الأرواح وسوّى الأبنية بالأرض ومما قال فيه الشاعر
هو الإثمُ زلزل زلزالها
فزُلزلت الأرضُ زلزالها
وحمّلها النّاسُ أثقالهم
فأخرجت الأرضُ أثقالها
وقال ابنُ آدم في حُمقه
يُسائلها ساخرا ما لها؟
فلا تسألوا الأرض عن رجّة
تُحاكي الجحيم وأهوالها
ألا إنّ إبليس أوحى لكم
ألا إنّ ربك أوحى لها
تعاليت ياربُّ كم عابث
بآيك لم يكُ يُصغي لها
وجلّ جلالك كم أنفس
تحدّاك قطّعت أوصالها
وكم أمم غيّرت ما بها
فغيّرت يا ربُّ أحوالها
وزلّت بأعمالها فغدتْ
ترى في الزلازل أعمالها
عساها تثُوبُ الى رُشدها
فأولى لها ثمّ أولى لها
أمانا ألا يا سماءُ اقلعي
فقد صبت الأرضُ أنكالها
ويا أرضُ رحماك لا تبلعي
صبايا البلاد وأطفالها
ويا سيلُ قف واحتشمْ إن في
طريقك أكباد يُرثى لها
كأنّك والنّاس حيهمُ
كمن مات قد جئت غسّالها
جرى ما كفى هل كفى ما جرى؟
كفى بالجزائر ما نالها
وما فعل الغُشمُ في أمرها
وقد فوّضتْ فيه جهّالها
فلن تستحق العُلا أمة
تولّي القيادة أرذالها
وكيف تريد البقاء بلا
د تعدُّ الضفادع أبطالها
وليست ببالغة أمرها
وجلاّدُها صار دلاّلها
ولا خير فيها إذا لمْ تثُرْ
لتنسف بالنّار أغلالها
وانطلقت الثورة المباركة ليلة الفاتح من نوفمبر عام 1954 والتحق بركبها أغلب الجزائريين واحتضنوها وسمّى الشاعر هذه الليلة بليلة القدر الكبرى ومما قال فيها
دعا التاريخُ ليلك فاستجابا
-نوفمبرُ- هل وفيت لنا النصابا
وهل سمع المُجيبُ نداء شعب
فكانت ليلة القدر الجوابا
تبارك ليلك الميمون نجما
وجل جلاله هتك الحجابا
زكتْ وثباتهُ عن ألف شهر
قضاها الشعبُ يلتحقُ السرابا
تجلّى ضاحك القسمات تحكي
كواكبه قنابله لهابا
بناشئة هناك أشدُّ وطأ
وأقوم منطقا وأحدّ نابا
مضت كالشهب وانحدرتْ شظايا
تلهّب في دجنّتها التهابا
ملائكُ باالفواتك نازلات
بإذن الله أرسلها خطابا
وهزّتْ ثورةُ التحرير شعبا
فهبّ الشعب ينصبُّ انصبابا
وبُرّزت الكواعب قاصرات
فرحن يخضن للموت العبابا
ولعلع من -شلعلع-ذو بيان
فأنطق فوق-جرجرة-الجعابا2
وشبّتْ من ذُرى وهران نار
رآها-برجُ مدين-فاستجابا3
وقال الله كنْ يا شعبُ حربا
على من ظلّ لا يرعى جنابا
وقال الشعبُ كنْ يا ربُ عونا
على منْ بات لا يخشى عقابا
فكان وكان من شعب وربّ
قرار أحدث العجب العُجابا
جهاد دوّخ الدنيا وألقى
هنالك في سياستها اضطرابا
وزلزل من صياصيه فرنسا
وأوقع في حكومتها انقلابا
وحرب للكرامة في بلاد
مضتْ تفتكُّ عزّتها غلابا
وأوفدت الرصاص ينوبُ عنها
يُناقشُ غاصب الحق الحسابا
وأيقضت القنابلُ منْ تعامى
وأسدل فوق ناظره نقابا
وعن إلياذة الجزائر يقول الراحل العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم-1...ووفاء بوعدنا ركزنا جدول أعمال هذا الملتقى على التاريخ لمراجعته و كتابته من جديد وتصفيته من جميع ما علق به عن رؤية واصرار من شوائب وتزييفات لمعرفة ماضينا والاستفادة في بناء حاضرنا ومستقبلنا في الجزائر والمغرب العربي الكبير والعالم الاسلامي الأوسع
ولهذا طلبنا من المناضل الكبير والشاعر الملهم شاعر الكفاح الثوري السياسي وشاعر الكفاح المسلح الأستاذ مفدي زكريا صاحب الأناشيد الوطنية.....أن يضع لنا نشيدا جديدا يجمع هذه الأناشيد كلّها ويشمل فيه وبه تاريخ الجزائر من أقدم عصورها حتى اليوم مركزا على مقاومتنا لمختلف الإحتلالات الأجنبية وعلى العهود الحضارية الزاهرة المتعاقبة ....
وهذا ما فعله مفدي وسمينا نشيد الأناشيد هذا إلياذةُ الجزائر
ومطلع الإلياذة هو
جزائرُ يا مطلع المعجزات
ويا حُجّة الله في الكائنات
ويا بسمة الربّ في أرضه
ويا وجهه الضاحك القسمات
ويا لوحة في سجّل الخلو
د تموجُ بها الصورُ الحالمات
ويا قصّة بثّ فيها الوجود
معاني السمو بروع الحياة
ويا صفحة خطّ فيها البقآ
بنار ونور جهاد الأُباة
ويا للبطولات تغزو الدُنا
وتُلهمها القيّمُ الخالدات
وأسطورة رددتها القرونُ
فهاجت بأعماقنا الذكريات
ويا تُربة تاه فيها الجلال
فتاهتْ بها القممُ الشامخات
وألقى النهاية فيها الجمالُ
فهمنا بأسرارها الفاتنات
وأوى على قدميها الزمان
فأهوى على قدميها الطغاة
شغلنا الورى وملأنا الدنا
بشعر نرددهُ كالصلاة
تسابيحهُ من حنايا الجزائر
ومن الإلياذة
فيا رب قد أغرقتني ذنوبـي
وأنت العليم بما في الغيوب |
|
أتـوب اليـك بإلياذتـي
عساها تكفر كـل ذنوبـي |
|
عصيتك علما بأنك تعفـو
على المسرفين فهانت خطوبي |
|
ولولا صفاتك رب غفـور
رحيم لضاقت علي دروبـي |
|
وأكد فعل الصفات العصاة
فأكد فضلك ستر العيـوب |
|
عصيتك لما خلقت الجمـا
ل وهاجت به نصبي ولغوبي |
|
وصوّرتني شاعـرا مرهفـا
يهب الصبا والهوى لهبوبـي |
|
ولولا الجمال لعشت عقيما
وما همت يوما بغزو القلوب |
|
وإن أنا لم أعص أهلكتنـي
وأبدلتني بطـروب لعـوب |
|
فيا رب ما حيلتي في الهوى
وفيك إذا لم تكفـر ذنوبـي |
|
شغلنا الورى وملأنا الدنا |
|
بشعر نرتلـه كالصـلاة |
|
تسابيحه من حنايا الجزائر |
1-مولود قاسم نايت بلقاسم من مواليد 1927 بمدينة بجاية درس بالزيتونة في تونس وانتقل بعدها الى القاهرة لينال شهادة الليسانس في الفلسفة من كلية الآداب تدرج على العديد من المناصب والمهام الحساسة منذ اندلاع الثورة الى غاية1970 حيث تلقد منصب وزير للتعليم الأصلي والشؤون الدينة الى غاية1979
علامة جزائري لا يمكن استعراض أعماله وأفضاله في خدمة اللغة والعربية والدين الإسلامي في عجالة من الكلمات رحمه الله وطيّب ثراه
2-جرجرة سلسلة جبلية تحوي بلاد القبائل وكانت معقل الثورة بجبالها وتضاريسها المذهلة أذاقت المستعمر الفرنسي الويلات وخلطت جميع حساباته
3-برج مدين كناية عن مدينة تلمسان بالغرب الجزائري