هبّت الريح خفيفة وتصاعدت إلى أعلى ، في محاولة منها
لرفع أو حتى ذر أوراق الشجر الذاوية ، المتساقطة
أمامي على الأسفلت في الشارع الرئيسي أمام منزلي ،
أجلس في شرفتي أرقبها .
طارت احدى الوريقات وعيناي تتبعها حتى استقرت في حجري
رقدت تنتظر من يحنو عليها بالنظر المتفحّص ،
لمعرفة ما تحتوية من ألمٍ ، ليست فاتنة الجمال
ولا نضرة ، وذلك يقطًعها حزناً ، اتكأت
برأسي وعيناي تتأملها فإذا بها تُعربد في الأجواء ،
وكأنها طائرة حربيةأصيبت لتهوي وتهوي لتكون
الأرض مرقدها بعدما كانت السماء موطنها
قلت في نفسي : برغم الحزن في قلبي عليكِ لكن ما باليد حيلة
رباه سمعتها تهمس وتقول : لا تحزني صديقتي
في كل يوم يمرُ عليّ
فــــي كل ليل يمرُ عليَّ
أعرف أن قدري ليس مستعداً بعد،
ليس مستعداً لي .. إنه ما زال يُمهلني ويمهلني أكثر ، كأنه نسيّ
أنني أذبل وأموت ، وأن الوقت لم يعُد يتسع لهفواته وفكَ أحجياته.
أعرف أنني حين كنت موجودة هناك حيث كان بيتي وداري وطني
أكون أنا وليس غيري ، وكان لي كل من حولي والعالم كله ملكي ،
وأنا وحدي الأمرة الناهية على قلوبكم .. فأسعد وأتخذ أجمل ركن
في مجلسكم ومحضركم .. ليس الأكبر ، ولكنه الأكثر اتساعا
لأحلامكم وأمالكم .. وأكون أنا وحدي ، عصفورة مُغرّدة .. فراشة مُحلقة
أو حتى زهرة في بستان .. لست ورقة شجر فحسب.
ليست نرجسيتي التي تتحدث الآن .. بل روحٌ في نزعها الأخير ملت الوحدة
التي تَشمَت بها بعد انفضاض مَجرَاتكم من نجومكم ومن الأفلاك والكواكب
التي تدور حول أزمنتكم وتنسون أن زماني أنا يتحرك إلى الرحيل ،
بينما تظنون أن زمانكم قد توقف مع توقف عقارب ساعاتكم
عن الفصول التي ترغبون ، والتي تتحدثون عنها طيلة
ثواني ثرثراتكم ، بينما أكون أنا الباكية المبتسمة
الحزينة الفرحة في مجالسكم التي فيها أنا أميرة ..
وأعود وأسعد كوني الأميرة ..
ومع صمت الفصول تعود الوحدة في البلاط المفرَّغ ،
تَشمتَ بأميرة عرشها حبٌ نَبَضَ في قلوبكم
ودموع أعين من حنينكم وأشواقكم ..
لكن حان وقت الوداع .. وداع أميرة فقدت عرشها