زهــرة الثلــج
خرجت رباب من بيتها الصغير في قرية من قرى الجولان وهي ترتجف من البرد فالثلج لا يزال
يتساقط منذ ليلتين وكل شيء حولها لبس ثوباً أبيض تدثرت بمعطفها السميك ولفت رأسها بشال جدتها الصوفي
السماء صافية وحنون الآن ولكن ما يدريها أن العاصفة ستعود من جديد لا يهم فالمسافة بين بيتها وبين مبنى البريد
ليست طويلة ولا بد أن تبعث برسالتها إلى خالتها في دمشق استعادت كلمات الرسالة التي كتبتها نيابة
عن جدها وجدتها وكل أفراد الأسرة تقول فيها: نحن لا زلنا مواطنين سوريين ونرجوكم وأنتم تعرفون أسماءنا وأرقام
هوياتنا الأصلية أن تنوبوا عنا في الانتخابات التي تجري في البلاد وبما أننا لا نستطيع الحضور إلا بإذونات خاصة من سلطات
الاحتلال فإننا نفوضكم بإعطاء أصواتنا
ولكم تحياتنا وآمالنا بالتحرر واللقاء
تنهدت رباب ولمست دمعة ساخنة سقطت على خدها فهي التي كتبت الرسالة وما استشارت فيها أحدا من
أسرتها لأنها عندما اقترحت عليهم ذلك نظر بعضهم إلى بعض بحزن وصمتوا
وأطرقوا برؤوسهم مهمومين في الطريق استوقفتها دورية اسرائيلية وسألوها بقسوة
إلى أين هي ذاهبة في مثل هذا الوقت وهذا الطقس ردت باضطراب: أنا ذاهبة إلى مبنى البريد فسخر منها أحدهم
قائلاً: لكن المبنى مغلق وليس هذا وقت الدوام
أجابت بكبرياء: إذن سأضع رسالتي في أي صندوق للبريد
فتركوها وانصرفوا عنها
وقبل أن تعثر على صندوق البريد الوحيد في القرية صادفت (رافع) قريبها وابن جيرانهم
ولما سألها باحت له بالسر كاملاً تنهد رافع بحسرة وقال: لكن رسائلنا من هنا لاتصل إلى أهلنا
في دمشق ولا إلى سواها من المدن السورية فما نفع أن تضعي رسالتك في البريد
حزنت رباب لأنها لم تنتبه لهذا الأمر الخطير فما هذا الظلم ألا يكفي أنهم في الأرض المحتلة وأنهم
بعيدون عن أهل بلادهم ألا يكفي أنهم يشعرون وكأنهم مأسورون
قالت رباب: لن أعود ومعي الرسالة ولا بد أن أفعل أمراً ما
قال رافع: مزقيها قبل أن تقع في يد أحد ويصيبك أذى
أجابت بحرارة: لا لن أمزقها
ثم مشيا صامتين لكن رباب وفي الطريق المؤدية إلى مبنى البريد أخذت تزيح أكوام الثلج بيديها المرتعشتين وتصنع حفرة صغيرة وضعت فيها الرسالة ثم غطتها وهي تبكي ولما سألها رافع ماذا تصنع قالت بثقة وتحد: إنها زهرة الثلج لا بد أن يقطفها أحد بعد أن تشرق الشمس وتذوب الثلوج عن المروج