قد لا يوحي اسم "رمضان" هذه الأيام إلا بكونه
اسماً لشهر الصيام، الشهر المبارك لدى المسلمين. بيد أن أسماء الأشهر العربية، ككل
الأسماء الأخرى، تحمل في طيّاتها معاني، وتعود إلى قصص وروايات وحكايات عديدة،
بعضها المثبت تاريخياً، وبعضها من المرويّات التراثية التي لا يمكن الركون إلى
دقّتها، مثلها مثل الحكايات المتداولة والمتناقلة عبر الأجيال.
تتفق معظم الروايات إلى أن اسم "رمضان" جاء
مشتقاً من المصدر "رمض"، وهو بمعنى القيظ، أو شدّة وقع الشمس. ومنه قول
الشاعر العربي: "المستجير بعمروٍ حين كربته.. كالمستجير من الرمضاء
بالنار"، هذا القول الذي ذهب مثلاً يُضرب في الشخص الذي يهرب من أمر ليقع في
أمرٍ أشدّ منه وطأةً.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهاننا هو: هل كان شهر
رمضان يصادف دوماً فصل الصيف؟ ألم يكن يجول بين الفصول كما هو الحال في يومنا هذا،
حيث ينزاح 11 يوماً كل عام داخل التقويم الشمسي، ليستكمل دورته عبر الفصول الأربعة
بعد 33 سنة قمريّة؟
الحال
هي أن التقويم العربي القديم كان قمريّ الأشهر شمسيّ السنوات. بمعنى أن السنة كانت
مؤلفة من 12 شهراً قمرياً، يلجأ العرب بعدها إلى تعديل انزياح الشهور عن الفصول من
خلال إضافة شهر على السنة كلّ ثلاث سنوات، عبر ما
سمّي "النسيء" أو "الكبس"، لتستمر السّنة بعدئذ في توافقها مع
الفصول، وتدور مع السّنة الشمسية.
يعزو
معظم المؤرّخين لجوء العرب إلى النسيء لأسباب عدّة، أبرزها مراعاة متطلبات الأسواق
التجارية المجاورة، التي يُعتمد فيها التقويم السرياني في بلاد الشام، أو القبطي
في مصر. وكذلك كان من أهدافها ضبط مواسم الاحتفالات والمهرجانات (كالحجّ، وسوق عكاظ) بحيث تقام طقوسها وشعائرها
وفعّالياتها ضمن مواسم وأجواء مناخيّة معيّنة.
بيد
أن الإسلام منع النسيء، باعتباره ينتهك قواعد الأشهر الحرم. وقدّ حُرِّم النسيء في
الآية 37 من سورة التوبة: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ
بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ
اللَّهُزُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ).
ويربط
بعض المفسرين النسيء بقول الرسول في حجّة الوداع: (اليوم استدار الزمان حتى عاد
كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)، حيث يشيرون إلى أنّه عنى بذلك أن الشهور قد
عادت إلى مواضعها وزال عنها فعل العرب بها. ولذلك سميت حجة الوداع "الحج
الأقوم"، فاستقرت الأيام والشهور في توقيتها عبر التأريخ الإسلامي بفضل التقويم
الهجري كما نعرفه اليوم.
مهما
تنوّعت الآراء، تبقى حروف اسم رمضان معبرة عن (ر) رضوان الله للمؤمنين، و(م) مغفرته
عن العاصين، و(ض) ضمانه للطائعين، و(ا) إلفته للمتوكلين ، و(ن) نواله للصادقين.