كيف يرزق الله النملة؟
هذا مثال من آلاف الأمثلة التي نراها حولنا وربما لا تلفت انتباهنا، ولكن لدى التأمل نستطيع أن نستلهم العبر، ونتعلم من هذه الحشرات الضعيفة،....
ما أكثر الظواهر التي نراها ونغفل عنها، ولذلك نرى الهموم تحيط بنا ولا نكاد نجد حلاً لهذه المشاكل المادية التي تثقل تفكيرنا وتعطل سعادتنا، والعلاج بسيط جداً وموجود في كتاب الله تعالى. ففي هذا العصر ازدادت المشاكل الاقتصادية، بسبب التطور التقني الكبير الذي شهده العالم في السنوات القليلة الماضية. وأقول يا إخوتي إن أفضل طريقة لعلاج المشاكل الاقتصادية هو الإيمان بالله تعالى والثقة به!
وقد يعجب البعض، كيف ستعالج مشكلة اقتصادية بالإيمان؟ وأقول إن الله تعالى قادر على رزق كل واحد منا وقادر على إعطائه ما يريد بشرط أن يؤمن به، لأن الله هو الرزاق. ولو تأملنا القرآن نلاحظ أن الله تعالى ربط غالباً بين الرزق والتقوى. ومن أوضح الأمثلة ما نجده في عالم الحشرات الصغير، حيث نلاحظ أن الله سخر لهذه المخلوقات الضعيفة أساليب لا تخطر على بال أحد، فرزقها وكفاها، وهي مجرد حشرات، فكيف بمؤمن يقول: لا إله إلا الله!
انظروا كيف يرزق الله حشرة صغيرة هي النملة!
في دراسة بريطانية حديثة (أجراها علماء من جامعة إمبريال كوليج) تحدث العلماء عن قدرة النمل على إفراز مادة تعيق حركة بعض أنواع حشرات "المن" التي تغزو النباتات المختلفة، حيث يساعد ذلك على إبقائها قريبة من مستعمرات النمل، ليضمن الأخير بذلك الحصول على كميات كافية من الطعام عند الحاجة، والتي توفرها المادة اللزجة التي ينتجها المن.
إن النمل يسعى إلى قضم أجنحة حشرات المن ليتلفها، فيحول ذلك دون ابتعادها عنه، ومن ثم يضمن النمل الحصول على الغذاء والمتمثل بالمواد الدبقة التي ينتجها المن، والغنية بالسكريات، كما يحرص النمل على إفراز مواد تعيق نمو تلك الأجنحة من جديد. كذلك تبين أن النمل يقوم بإفراز مواد تعيق حركة المشي عند حشرة المن، ليمنعها من مغادرة المكان إلى جهة أبعد.
رصد العلماء حركة حشرات المن بواسطة كاميرات رقمية متطورة، مع الاستعانة ببرامج كمبيوتر خاصة، بعد أن تم وضع تلك الحشرات فوق ورق مخبري كان قد سمح للنمل بالمرور فوقه قبل ذلك، ليتبين أن حشرة المن كانت تسير فوقه بشكل أبطأ، وذلك مقارنة مع الحال عندما وضعت فوق ورق لم يسبق للنمل أن سار عليه.
كما قام الباحثون بالسماح لحشرات المن بالمرور فوق ورق شجر جاف، والذي لا يرغب المن عادة بالبقاء فوقه، وذلك بعد أن عبر النمل فوق سطحه، ليظهر أن المن كان يسير فوق تلك الأوراق الجافة ببطء واضح.
تشير الدراسة إلى أن النمل لجأ إلى إفراز مواد على السطوح التي مر فوقها، لتعمل على التأثير في حركة حشرات المن، فتبطئ الأخيرة من سرعتها لتبدو وكأنها أصيبت بالشلل، وبالتالي يستفيد النمل مما تفرزه تلك الكائنات الصغيرة من مواد دبقة غنية بالسكريات، كما قد يتغذى على ذات الحشرة إن دعت الحاجة إلى ذلك.
ويؤكد الباحثون أن العلاقة بين المن والنمل تتميز بتبادل المنافع، فهم يرجحون بأن المن يعتمد على جيرانه من النمل، ليدفع عنه أذى الحشرات الأخرى الغازية التي قد تهاجمهم، باعتبار أنهم يستهدفون مصنع غذاء النمل، فينبري الأخير ليدافع عن حشرات المن الصغيرة، ومن ثم يلتهمها في وقت لاحق.
فانظروا معي إلى هذا التعاون والتكامل بين عالم الحشرات الذي نظنه لا يعقل، إنه تصديق لقول الحق تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38].
وانظروا كيف يرزق الله هذه الحشرات، مَن الذي علَّمها هذا الأسلوب؟ ومَن الذي هداها لكسب رزقها بهذه الطريقة؟ أليس هو الله القائل: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6].
تأملوا معي هذه الصور الرائعة لنملة سخر الله لها رزقها من الغذاء الذي تحبه وهو المن الذي يفرز لها مواد سكرية أشبه بقطع الحلوى، يأتيها هذا الرزق من دون أن تحمل أي هم، فلا أدري لماذا نحمل الهموم إذا كان الله سيرزقنا؟
وهذه صورة لنملة تبحث عن رزقها، الله لم ينسها من فضله!!
أما هذه فهي نملة تتغذى على حشرات المن الصغيرة!!
نملة تمتص المادة السكرية الدبقة من المنّ وتتلذذ بطعمها، وهي طبعاً تشكر الله وتسبح بحمده، كيف لا وهو القائل: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، فسبحان الله!
مجموعة من النمل تسوق أمامها حشرات المن وتأسرها لتستفيد مما تفرزه من "حلوى لذيذة" وسؤالنا، من الذي سخر هذا الرزق لنملة ضعيفة لا تملك أي وسيلة من وسائل القوة، إلا ما زودها الله به من ذكاء وحكمة! لذلك يا أحبتي أكثروا من الدعاء، واستيقنوا بأنكم تدعون رباً سميعاً قريباً مجيباً، كيف لا وهو القائل: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[العنكبوت: 60]. فقد يرزقك الله القليل جداً ولكنه يرزقك معه العافية والصحة والبركة والسعادة ويبعد عنك الهموم والأحزان، فتكون أكثر سعادة ممن امتلك المال والشهرة ولكنه حُرم نعمة السعادة والسرور، ولا يسعنا إلا أن نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].ــــــــــــبقلم عبد الدائم الكحيل